للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

هذا أن يقال: "ومن عبادنا ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات ثمَّ أورثنا الكتابَ الذين اصطفينا منهم"، وهذا هو (١) معنى الكلام عندكم، ولا ريب أنَّ سياق الآية لا يدلّ عليه. إنَّما يدلّ على أنَّه أورث الكتابَ طائفةً من عباده، وأنَّ تلك الطائفة ثلاثةُ أقسام. هذا وجه الكلام الذي يدلُّ عليه ظاهره.

الثاني: أنَّك إذا قلت: "أعطيتُ مالي للبالغين (٢) من أولادي، فمنهم تاجرٌ (٣)، ومنهم خازن، ومنهم مبذِّر مسرفٌ (٤) ". هل يفهم من هذا أحد قطّ (٥) هذا التقسيم لجملة أولاده؟ بل لا يفهم منه إلا أنَّ أولاده كانوا في أخذهم المال أقسامًا ثلاثةً، ولهذا أتى فيها بالفاءِ الدالّة على تفصيل ما أجمله أوَّلًا، كما إذا قلت: "خذ هذا المال فأعطِ فلانًا كذا، وأعطِ فلانًا كذا"، ونظائره متعددة. ولا وجه للإتيان بالفاءِ ههنا إلا تفصيل المذكور أولًا، لا تفصيل المسكوت عنه. والآيةُ قد سكتت عن تفصيل العباد الذين اصطفى منهم من أورثه الكتاب، فالتفصيل للمذكور (٦) ليس إلا. فتأمّله فإنَّه واضح.

قالوا: وأمَّا قولكم إنَّ اللَّه لا يصطفي من عباده ظالمًا لنفسه، لأنَّ الاصطفاءَ هو الاختيار من الشيء صفوتَه وخيارَه إلى آخر ما ذكرتم،


(١) "هو" ساقط من "ب، ك، ط".
(٢) كذا في "الأصل ف، ب". وفي "ك، ط": "البالغين".
(٣) "ب": "فاجر"، تحريف.
(٤) "ك، ط": "مبذِّر ومسرف".
(٥) "قط" ظرف مختص بالزمان الماضي، وقد أوقعه المؤلف هنا وفي مواضع أخرى من كتبه موقع "أبدًا". وانظر ما يأتي في ص (٥١٩، ٥٧٦).
(٦) "ف": "بالتفصيل المذكور". "ك": "فالتفصيل المذكور". وكلاهما خطأ.