للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونعيمَه ولذَّته وسرورَه في تلك الصلاة، فهو يتمنَّى طولَ ليله، ويهتمّ بطلوع الفجر، كما يتمنى المحب الفائز بوصل محبوبه ذلك. فهو كما قيل:

يودُّ أنَّ ظلامَ اللَّيل دامَ له (١) ... وزِيدَ فيه سوادُ القلبِ والبصَرِ (٢)

فهو يتملَّق فيها مولاه تملَّقَ المحب لمحبوبه العزيز الرحيم، ويناجيه بكلامه معطيًا لكلِّ آية حظّها من العبوديّة. فتجذب قلبَه وروحَه إليه آياتُ المحبّة والوداد، والآياتُ التي فيها الأسماءُ والصفات، والآياتُ التي تعرّفَ (٣) بها إلى عباده بآلائه وإنعامه عليهم وإحسانه إليهم. وتطيِّبُ له السيرَ آياتُ الرجاء والرحمة وسعة البرّ والمغفرة، فتكون له بمنزلة الحادي الذي يطيّب له السيرَ ويهوّنه عليه (٤). وتُقلِقُه آياتُ الخوف والعدل والانتقام وإحلال غضبه بالمعرضين عنه، العادلين به غيرَه، المائلين إلى سواه؛ فتجمعه عليه وتمنعه (٥) أن يشرد قلبه عنه. فتأمَّلْ هذه النكتةَ (٦)، وتفقَّهْ فيها، واللَّه المستعان، ولا حول ولا قوَّة إلا به (٧).

وبالجملة فيشاهد المتكلّمَ سبحانه، وقد تجلَّى في كلامه، ويعطي كلَّ آية حظَّها من عبودية قلبه الخاصَّة الزائدة على مجرَّد تلاوتها


(١) "ب": "طوّله".
(٢) البيت لأبي العلاء المعرّي في سقط الزند (٥٦).
(٣) "ب": "يتعرف".
(٤) "عليه" ساقط من "ط".
(٥) "ك، ط": "فيجمعه عليه ويمنعه".
(٦) "ب، ط": "هذه الثلاثة"، وهو تحريف طريف. وكذا كان في "ك"، ثم عدّل فيها.
(٧) "ب، ك، ط": "إلّا باللَّه".