للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ لأصحاب هذه الطريق مسلكان:

أحدهما: مسلك التناقض البيّن. وهو إثبات كثير من الصفات، ولا يلتفِت فيها إلى هذا الخيال، بل يثبتها مجرَّدةً عن خصائص المخلوق، كالعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر وغيرها. فإن كان إثبات تلك الصفات التي نفاها يستلزم المحذورَ الذي فرَّ منه، فكيف لم يستلزمه إثباتُ ما أثبته؟ وإن كان إثبات ما أثبته لا يستلزم محذورًا فكيف يستلزمه إثباتُ ما نفاهُ؟ وهل في التناقض أعجب من هذا؟

والمسلك الثاني: مسلك النفي العامّ والتعطيل المحض، هربًا من التناقض، والتزامًا لأعظم الباطل وأمحل المحال (١).

فإذن الحقّ المحض في الإثبات المحض الذي أثبته اللَّه تعالى لنفسه في كلامه وعلى لسان رسوله، من غير تشبيه ولا تمثيل، ومن غير تحريفٍ ولا تبديل. ومنشأ غلط المحرّفين إنَّما هو ظنّهم أنَّ ما يلزم الصفة في المحلّ المعيَّن يلزمها لذاتها، فينفون ذلك اللازم عن اللَّه تعالى، فيضطرّون في نفيه إلى نفي الصفة!

ولا ريبَ أنَّ الأمور ثلاثة: أمرٌ يلزم الصفة لذاتها من حيث هي، فهذا لا يجب بل لا يجوز نفيُه، كما يلزم العلمَ والسمعَ والبصرَ من تعلّقها بمعلوم ومسموع ومبصَر، فلا يجوز نفي هذه التعلّقات عن هذه


(١) "المُحال" من "حول" لا من "محل"، فصياكة اسم التفضيل منه "أمحل" على التوهم. وقد تكرر "أمحل المحال" في كتب المؤلف. انظر مثلًا: زاد المعاد (١/ ٣٦، ٢٠٧، ٢٧٢)، والصواعق (١٩٧، ٦٤٥)، ومدارج السالكين (١/ ١٢٩)، وانظر: مجمع الأمثال (٣/ ٣٥٧ - ٣٥٨).