للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كراهية (١) هذا الدواءِ ومرارته فلينظر إلى عاقبته وحسن تأثيره. قال اللَّه تعالى: {وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٢١٦)} [البقرة/ ٢١٦]. وقال: {فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا (١٩)} [النساء/ ١٩]. وفي مثل هذا قال القائل:

لعلَ عتَبك محمودٌ عواقبُه ... وربّما صحّت الأجسامُ بالعِلَلِ (٢)

التاسع: أن يعلم أنّ المصيبة ما جاءَت لِتُهلِكَه وتقتلَه، وإنّما جاءَت لتمتحن صبره وتبتليه، فيتبيّن حينئذ هل يصلح لاستخدامه وجعله من أوليائه وحزبه (٣) أم لا؟ فإن ثبت اصطفاه واجتباه، وخلع عليه خِلَع الإكرام، وألبسه ملابس الفضل، وجعل أولياءَه وحزبه خدَمًا له وعونًا له. وإن انقلب على وجهه ونكص على عقبيه طُرِدَ، وصُفِع قفاه، وأُقصي، وتضاعفت عليه المصيبة. وهو لا يشعر في الحال بتضاعفها (٤) وزيادتها، ولكن سيعلم بعد ذلك بأنّ المصيبة في حقّه صارت (٥) مصائب، كما يعلم الصابر أن المصيبة في حقّه صارت نعمًا عديدة. وما بين هاتين المنزلتين المتباينتين إلّا صبر ساعة، وتشجيع القلب في تلك الساعة. والمصيبة لا بدّ أن تقلع عن هذا وهذا، ولكن تقلع عن هذا بأنواع الكرامات والخيرات، وعن الآخر بالحرمان والخذلان.


(١) "ب، ك، ط": "كراهة".
(٢) "ب": "الأجساد بالعلل". والبيت لأبي الطيب، وقد سبق (٣٦٧، ٥٠٨).
(٣) "وحزبه" ساقط من "ب".
(٤) "ف": "بتضاعيفها"، خطأ
(٥) "ب": "صارت في حقه".