للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فكان (١) ذلك عوضًا لها من الحزن. فعلى كلّ حالٍ لا فائدة لها في الحزن أصلًا. واللَّه أعلم.

وقال بعض العارفين: "ليست الخاصَّة من الحزن في شيءٍ" (٢).

وقوله رحمه اللَّه: "معرفة اللَّه جلا نورُها كلّ ظلمة، وكشف سرورُها كلَّ غمَّة" كلام في غاية الحسن. فإنَّ من عرف اللَّه أحبَّه ولا بدَّ، ومن أحبَّه انقشعتْ عنه سحائبُ الظلمات، وانكشفتْ عن قلبه الهمومُ والغمومُ والأحزان، وعمر قلبه بالسرور والأفراح، وأقبلت إليه وفودُ التهاني والبشائر من كلِّ جانب، فإنَّه لا حزن مع اللَّه أبدًا.

ولهذا قال تعالى حكايةً عن نبيّه أنَّه قال لصاحبه (٣): {لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة/ ٤٠]. فدلَّ على (٤) أنَّه لا حزنَ مع اللَّه، وأنَّ من كان اللَّه معه فما له وللحزن؟ وإنَّما الحزن كلّ الحزن لمن فاته اللَّه، فمن حصل اللَّهُ له، فعلى أيّ شيءٍ يحزَن؟ ومن فاته اللَّه، فبأيّ شيءٍ يفرح؟ قال تعالى: {قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا} [يونس/ ٥٨].

فالفرحُ بفضله وبرحمته (٥) تبعٌ للفرح به سبحانه، فالمؤمن يفرح بربّه أعظمَ من فرح كلّ أحد بما يفرح به، من حبيب أو جاه (٦) أو مال أو نعمة


(١) "ط": "وكان".
(٢) من كلام الهروي في منازل السائرين (٢٠). وانظر: مدارج السالكين (١/ ٦٠٣).
(٣) "ط": "لصاحبه أبي بكر".
(٤) "على" ساقط من "ك، ط".
(٥) "ك، ط": "ورحمته".
(٦) "ك، ط": "حياة"، تحريف.