للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والاحتمالات، فلا يتخلّص له رؤيتها وعيانها.

الثاني: أن تكون القريحة وفَّادة درَّاكة، لكن النفس ضعيفة مهينة، إذا أبصرت الحقّ والرشد ضعفت عن إيثاره. فصاحبها يسوقها سوق العليل المريض، كلَّما ساقه خطوة وقف خطوة؛ أو كسَوق الطفل الصغير الذي قد (١) تعلَّقت نفسه بشهواته ومألوفاته، فهو يسوقه إلى رشده، وهو ملتفت إلى لهوه ولعبه لا ينساق معه إلا كرهًا. فإذا رُزِق العبد قريحةً وفَّادةً، وطبيعةً منقادةً: إذا زجرها انزجرت، وإذا قادها انقادت بسهولة وسرعة ولين؛ وأُيِّدَ (٢) مع ذلك بعلم نافع وإيمان راسخ، أقبلت إليه وفود السعادة من كلِّ جانب.

ولمَّا كانت هذه القرائح والطبائع ثابتةً للصحابة رضي اللَّه عنهم، وكمَّلها اللَّه لهم بنور الإسلام وقوَّة اليقين ومباشرة الإيمان. لقلوبهم، كانوا أفضل العالمين بعد الأنبياء والمرسلين. وكان مَن بعدهم لو أنفق مثل جبل أحد ذهبًا (٣) ما بلغ مُدَّ أحدهم ولا نَصِيفَه (٤).

ومن تصوَّر هذا الموضع حقّ تصوره علِمَ من أين يلزمه النقص والتأخّر، ومن أين يتقدم ويترقّى في درجات السعادة. وباللَّه التوفيق (٥).


(١) "قد" ساقط من "ك، ط".
(٢) "ط": "وارتدى".
(٣) "ذهبًا" ساقط من "ك، ط".
(٤) يشهد له ما أخرجه البخاري (٣٦٧٣) ومسلم (٢٥٤١) من حديث أبي سعيد الخدري رضي اللَّه عنه.
(٥) زاد في "ك، ط": "واللَّه أعلم".