للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى سنة! لقد كان لي أنس ببيت سمعتُه من أبي علي (١):

يا من شكا شوقه من طول فرقته ... اصبِرْ لعلَّك تلقى من تحبُّ غدا (٢)

وقال الشبلي: "المحبّ إذا سكت هلك، والعارف إن لم يسكت هلك" (٣). والتحقيق: أنَّ هذا هو حال المتمكِّن في حبُّه، الذي:

تزول الجبالُ الراسياتُ، وقلبُه ... على الودّ لا يُلوي ولا يتغيَّرُ (٤)

والأوَّل حال المزيد المبتدئ الذي قد علِقت نارُ المحبة في قلبه، ولم يتمكّن اشتعالها، فهو يخاف عليها عواصفَ الرياح أن تطفئها، فهو يخبئها ويكتمها ويسترها من الرياح جهدَه، فإذا اشتعلت وتمكن وقودها في القلب لم تزدها كثرةُ الرياح إلا وقودًا واشتعالًا. فهذا يختلف باختلاف الناس وتفاوتهم في قوَّة المحبة وضعفها.

والمقصود أنَّ من بسط لسانه بالعبارة عنها والكشف عن سرّها وأحكامها لن يؤمَن أن يكون من أهل العلم بالمحبة لا من المتّصفين بها حالًا، فكم بين العلم بالشيء والاتّصاف به ذوقًا وحالًا! فعلم المحبة شيء، ووجودها في القلب شيء. وكثير من المحبين الذين


(١) زاد في "ط" بين حاصرتين: "الثقفي". وهو محمد بن عبد الوهاب الثقفي النيسابوري الشافعي، المحدث الفقيه العلّامة، شيخ خراسان. وهو من ولد الحجّاج، توفي سنة ٣٢٨ هـ. سير أعلام النبلاء (١٥/ ٢٨٠)، طبقات الصوفية (٣٦١).
(٢) الحكاية في القشيرية (٣٣٠). والبيت أنشده المؤلف في مدارج السالكين (٣/ ١٨)، ومع بيت آخر في روضة المحبين (٥٨١).
(٣) القشيرية (٣٢٤).
(٤) في النسخ الخطية -ما عدا الأصل- والمطبوعة أثبت هذا البيت نثرًا. وقد أنشده المؤلف في بدائع الفوائد (٥٢٧) أيضًا.