للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

امتلأت (١) قلوبهم محبةً لو سئل عن حدّها وأحكامها وحقيقتها لم يُطِق أن يعبر عنها, ولا يتهيّأ له أن يصفها ويصف أحكامها، وأكثر المتكلِّمين فيها إنَّما تكلموا فيها بلسان العلم لا بلسان الحال. وهذا -واللَّه أعلم- هو معنى قول بعض المشايخ (٢): "أعظمُ الناس حجابًا عن اللَّه أكثرُهم إليه إشارة"، فإنه إنَّما حظّه منه الإشارة إليه لا عكوف (٣) القلب عليه، كالفقير الذي دأبه وصف الأغنياء وأموالهم، ووصف الدنيا وممالكها، وهو خِلْو من ذلك.

ولا ريب أنَّ وجودَ الحبّ في القلب وتركَ الكلام فيه (٤) علمًا خير من كثرة الكلام في هذه المسألة وخلوّ القلب منها. وخير من الرجلين من امتلأ قلبه منها حالًا وذوقًا، وفاضت على لسانه إرشادًا وتعليمًا ونصيحةً للأمة. فهذا حال الكُمَّل (٥) من الناس. واللَّه المسؤول من فضله وكرمه.

قوله: "المحبة لا تظهر على المحبّ بلفظه، وإنَّما تظهر عليه بشمائله ونحوله". هذا حقّ، فإنَّ دلالة الحال على المحبة أعظم من دلالة القال عليها، بل الدلالة عليها في الحقيقة هو شاهد الحال لا صريح المقال. ففرق بين من يقول لك بلسانه: إنِّي أحبك، ولا شاهد عليه من حاله، وبين من هو ساكت لا يتكلَّم، وأنت ترى شواهد أحواله


(١) "قد" ساقط من "ك، ط".
(٢) هو أبو يزيد البسطامي، ونصّ قوله في طبقات الصوفية (٧٤): "أبعد الخلق من اللَّه أكثرهم إشارة إليه". ونحوه في صفة الصفوة (٢/ ٢٦٣).
(٣) "ط": "علوق"، تحريف.
(٤) "فيه" ساقط من "ك، ط".
(٥) "ط": "الكملة"، وقد مر مثل هذا التحريف من قبل.