للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أحد[هما] (١): محبة تنشأ من الإحسان, ومطالعة الآلاء والنعم، فإنَّ القلوب جُبلت على حبّ من أحسن إليها. وبغض من أساء إليها, ولا أحد أعظم إحسانًا من اللَّه سبحانه، فإنَّ إحسانه على عبده في كلِّ نفَس ولحظة، وهو يتقلب في إحسانه في جميع أحواله، ولا سبيل له إلى ضبط أجناس هذا الإحسان فضلًا عن أنواعه أو عن أفراده. ويكفي أنَّ من بعض أنواعه نعمةَ النفَس التي لا تكاد تخطر ببال العبد، وله عليه في كل يوم وليلة فيه أربعة وعشرون ألف نعمة، فإنَّه يتنفَّس في اليوم والليلة أربعة وعشرين ألف نفَس، وكلّ نفَس نعمة منه سبحانه. فإذا كان أدنى نعمة عليه في كل يوم وليلة أربعة وعشرون (٢) ألف نعمة، فما الظنّ بما فوق ذلك وأعظم منه؟ {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [إبراهيم/ ٣٤، النحل/ ١٨].

هذا إلى ما يصرف عنه من المضرّات وأنواع الأذى التي تقصده، ولعلّها توازن النعم في الكثرة، والعبد لا شعور له بأكثرها أصلًا، واللَّه سبحانه يكلؤه منها بالليل والنهار، كما قال تعالى: {قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ} [الأنبياء/ ٤٢]. وسواء كان المعنى: مَن يكلؤكم ويحفظكم منه إذا أراد بكم سوءًا، ويكون "يكلؤكم" مضمَّنًا معنى "يجيركم وينجيكم من بأسه"؛ أو كانت "من" للبدلية (٣) أي: من يكلؤكم بدل الرحمن سبحانه، أي: هو الذي يكلؤكم وحده، لا كالئ لكم غيره.


(١) "هما" سقط من الأصل سهوًا. وانظر القسم الثاني في ص (٦٩٠).
(٢) كذا في الأصل وغيره. وفي "ط": "عشرين".
(٣) "ك، ط": "البدلية".