للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ونظير "مِن" هذه قوله تعالى: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ (٦٠)} [الزخرف/ ٦٠] على أحد القولين، أي: عوضكم وبدلكم. واستشُهِد (١) على ذلك يقول الشاعر:

جاريةٌ لم تأكلِ المرفَّقا ... ولم تذُقْ من البقول الفُسْتُقا (٢)

أي: لم تأكل الفستق بدل البقول (٣).

وعلى كلا القولين فهو سبحانه منعِم عليهم بكلاءَتهم وحفظهم وحراستهم مما يؤذيهم بالليل والنهار وحده، لا حافظ لهم غيره. هذا مع غناه التامّ عنهم وفقرهم التامّ إليه، فإنه سبحانه غَنيّ عن خلقه من كلّ وجه، وهم فقراءُ محتاجون إليه من كلّ وجه.

وفي بعض الآثار يقول تعالى: "أنا الجواد، ومَن أعظم منّي جودًا وكرمًا؟ أبيت أكلأ عبادي في مضاجعهم وهم يبارزوني (٤) بالعظائم" (٥).

وفي الترمذي (٦) أنّ النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- لمّا رأى السحاب قال: "هذه روايا


(١) "ك، ط": "واستشهدوا".
(٢) هذا الرجز لأبي نُخيلة، من شعراء الدولتين. الشعر والشعراء (٦٠٢). والمرفّق: الرغيف الواسع الرقيق.
(٣) وإليه ذهب ابن مالك. وقال غيره إن الراجز لم يعرف الفستق، فظنه من البقول. مغني اللبيب (٤٢٢). وزعم الغندجاني أنَّ "البقول" بالباء تصحيف البقول. بالنون. فرحة الأديب (١٨٥). وانظر: الصحاح "بقل".
(٤) كذا في الأصل بحذف نون الرفع للتخفيف، وفي "ط": "يبارزونني". وفي "ف": "يبادروني"، تحريف.
(٥) انظر نحوه في الحلية (٨/ ٩٥ - ٩٦) (١١٤٧٦ - ١١٤٧٧) عن الفضيل بن عياض.
(٦) رقم (٣٢٩٨). وأخرجه أحمد (٨٨٢٧) وابن أبي عاصم في السنة (٥٧٨) =