للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا الإحسان, وهذا التحنّن والعطف (١) والتحبّب إلى العباد، واللطف التامّ بهم!

ومع هذا كلّه بعد أن أرسل (٢) إليهم رسُله، وأنزل عليهم كتُبه، وتعرف إليهم بأسمائه وصفاته وآلائه؛ ينزل كلّ ليلة إلى سماء الدنيا يسأل عنهم (٣)، ويستعرض حوائجهم بنفسه، ويدعوهم إلى سؤاله، فيدعو مسيئَهم إلى التوبة، ومريضهم إلى أن يسأله أن يشفيه، وفقيرهم إلى أن يسأله غناه، وذا حاجتهم يسأله (٤) قضاءها كلّ ليلة. ويدعوهم سبحانه إلى التوبة، وقد حاربوه، وعذَّبوا أولياءه، وأحرقوهم بالنار. قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ (١٠)} [البروج/ ١٠]. قال بعض السلف: انظروا إلى كرمه، كيف عذبوا أولياءَه، وحرَّقوهم بالنار؛ ثُمَّ هو يدعوهم إلى التوبة!

فهذا الباب يدخل منه كلّ أحد إلى محبته سبحانه، فإنَّ نعمه (٥) على عباده مشهودة لهم، يتقلَّبون فيها على عدد الأنفاس واللحظات. وقد روي في بعض الأحاديث مرفوعًا: "أحبوا اللَّه لما يغذوكم به من نعمه، وأحِبّوني بحبّ اللَّه" (٦). فهذه محبة تنَشأ من مطالعة المنن والإحسان


(١) "ب": "التعطف".
(٢) "ف": "ومع هذا فقد أرسل"، خلاف الأصل.
(٣) سبق حديث النزول في ص (٤٦٤).
(٤) "ب": "أن يسأله".
(٥) "ك، ط": "نعمته".
(٦) أخرجه الترمذي (٣٧٨٩)، والبخاري في تاريخه (١/ ٨٣)، والطبراني في الكبير (٢٦٣٩)، والحاكم (٤٧١٦). قال الترمذي: "هذا حديث حسن غريب، إنَّما نعرفه من هذا الوجه" وقال الحاكم: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم =