للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وشرع لهم التوبة الهادمة للذنوب، فوفّقهم لفعلها، ثمّ قبِلها منهم. وشرع لهم الحجّ الذي يهدم ما قبله، فوفّقهم لفعله، وكفّر عنهم سيئاتهم به. وكذلك ما شرعه لهم من الطاعات والقربات، هو الذي أمدّهم (١) بها، وخلقها لهم، وأعطاهم إيّاها، ورتّب عليها جزاءَها. فمنه السبب، ومنه الجزاءُ، ومنه التوفيق، ومنه العطاءُ أولًا وآخرًا. وهم محلّ إحسانه فقط، ليس منهم شيء، إنّما الفضل كلّه والنعمة كلّها والإحسان كلّه منه أولًا وآخرًا. أعطى عبده ماله، وقال: تقرَّبْ بهذا إليّ أقبلْه منك. فالعبد له، والمال له، والثواب منه، فهو المعطي أولًا وآخرًا.

فكيف لا يحَبّ من هذا شأنه؟ وكيف لا يستحيي العبد (٢) أن يصرف شيئًا من محبته إلى غيره؟ ومن أولى بالحمد والثناءِ والمحبة منه سبحانه؟ ومن أولى بالكرم والجود والإحسان منه؟ فسبحانه وبحمده، لا إله إلا هو العزيز الحكيم.

ويفرح سبحانه بتوبة أحدهم إذا تاب إليه أعظم فرح وأكمله، ويكفّر عنه ذنوبه، ويُوجِب له محبّته بالتوبة. وهو الذي ألهمه إيّاها، ووفّقه لها، وأعانه عليها. وملأ سبحانه سماواته من ملائكته، واستعملهم في الاستغفار لأهل الأرض. واستعمل حمَلةَ العرش منهم في الدعاءِ لعباده المؤمنين، والاستغفار لذنوبهم ووقايتهم عذابَ الجحيم، والشفاعة إليه بإذنه أن يدخلهم جنّاته. فانظر إلى هذه العناية،


= أنس بن مالك. أخرجه الترمذي (٣٥٤٠) وقال: "هذا حديث حسن غريب، لا نعرفه إلَّا من هذا الوجه" قلت: في سنده كثير بن فائد، فيه جهالة. (ز).
(١) "ك، ط": "أمرهم".
(٢) "ب": "كيف يليق بالعبد".