للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يدعوه إلى محبته فهو دليل وعبرة على محبة اللَّه، وأنَّه أولى بكمال الحبّ من كلِّ شيء. ولكن إذا كانت النفوس صغارًا كانت محبوباتها على قدرها، وأمَّا النفوس الكبار الشريفة فإنَّها إنَّما (١) تبذل حبها لأجلّ الأشياء وأشرفها.

والمقصود أنَّ العبد إذا اعتبر كلَّ كمال في الوجود وجده من آثار كماله سبحانه، فهو دالّ على كمال مبدعه؛ كما أنَّ كل علم في الوجود فمن آثار علمه، وكلّ قدرة فمن آثار قدرته. ونسبة الكمالات الموجودة في العالم العلوي والسفلي إلى كماله كنسبة علوم الخلق وقُدَرهم وقواهم وحياتهم إلى علمه سبحانه وقدرته (٢) وقوته وحياته. فإذن لا نسبة أصلًا بين كمالات العالم وكمال اللَّه جلَّ جلاله، فيجب أن لا يكون بين محبته تعالى ومحبة غيره من الموجودات نسبة (٣)، بل يكون حبّ العبد له أعظم من حبّه لكل شيء بما لا نسبة بينهما. ولهذا قال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ} [البقرة/ ١٦٥]. فالمؤمنون أشدّ حبًّا لربهم ومعبودهم تعالى من كلّ محِبّ لكلِّ محبوب. هذا مقتضى عقد الإيمان الذي لا يتمّ إلا به.

وليست هذه المسألة من المسائل التي للعبد عنها غنًى أو منها بدّ، كدقائق العلم والمسائل التي يختصّ بها بعض الناس دون بعض. بل هذه أفرضُ مسألةٍ (٤) على العبد، وهي أصل عقد الإيمان الذي لا يدخل فيه الداخل إلا بها, ولا فلاح للعبد ولا نجاة له من عذاب اللَّه إلا بها،


(١) "إنما" ساقط من "ك، ط".
(٢) سقطت "قدرته" من "ف" سهوًا.
(٣) مكانها في "ط": "له".
(٤) "ط": "هذه مسألة تفرض".