للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بتكميل هذه الفطر (١) وإعادة ما فسد منها إلى الحالة الأولى التي فطرت عليها، وإنَّما دعَوا إلى القيام بحقوقها ومراعاتها لئلَّا تفسد وتنتقل عمَّا خُلقت له. وهل الأوامر والنواهي إلا خدَم وتوابع ومكملات ومصلحات لهذه الفطرة؟ وهل خلق (٢) سبحانه خلقَه إلا لعبادته التي هي غايةُ محبته والذلِّ له؟ وهل هُيِّئ الإنسان إلا لها؟ كما قيل:

قد هيّؤوك لأمرٍ لو فطِنتَ له ... فاربَأ بنفسك أن ترعَى مع الهَمَلِ (٣)

وهل في الوجود محبَّةٌ حقٌّ غير باطلة إلا محبته سبحانه؟ فإنَّ كلَّ محبَّةٍ متعلِّقةٍ بغيره فباطلة زائلة ببطلان متعلقها، وأمَّا محبته سبحانه فهي الحقّ التي لا تزول ولا تبطل (٤)، كما لا يزول متعلقها ولا يفنى. فكلّ (٥) ما سوى اللَّه باطل، ومحبّة الباطل كلها (٦) باطل. فسبحان اللَّه كيف تُنكر المحبَّةُ الحقُّ التي لا محبَّة أحقّ منها، ويُعترَفُ بوجود المحبَّة الباطلة المتلاشية؟ وهل تعلَّقت المحبة بوجود محدَث إلا لكمالٍ في وجوده بالنسبة إلى غيره؟ وهل ذلك الكمالُ إلا من آثار صنع اللَّه الذي أتقن كل شيء؟ وهل الكمال كلّه إلا له؟ فكل من أحبَّ شيئًا لكمالٍ ما


(١) "ك، ط": "الفطرة".
(٢) "ط": "خلق اللَّه".
(٣) للطغرائي. وهو آخر بيت من لامية العجم. انظر: الغيث المسجم (٢/ ٤٣٨) وفيه: "قد رشَّحوك". وقد ذكره المؤلف في زاد المعاد (٣/ ٧٣)، وروضة المحبين (٦١٩)، ومفتاح دار السعادة (١/ ٤٣١)، (٢/ ١١٣).
(٤) "ك، ط": "فهو الحق الذي لا يزول ولا يبطل".
(٥) "ب، ك، ط": "وكلّ". والمثبت من "ف".
(٦) في الأصل: "ومحبّة الباطلها" كذا، فقرأتها كما أثبت، ويؤيد ذلك تذكير الخبر، ولم يثبت "كلها" في النسخ الأخرى. وفي "ب": "ومحبّة الباطل باطلة".