للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا يزال فقره يدعوه إليه، فإذا دام (١) استجابتُه له بدوام الداعي لم تزل المحبة تنمو وتتزايد، فكلما أخطر الربّ تعالى في قلبه خواطرَ الفقر والفاقة إليه (٢) بادر قلبه بالإجابة والانكسار بين يديه ذلًّا وفاقةً وحبًّا وخضوعًا.

وإنّما كانت هذه محبّة العوام عنده لأنّ منشأها من الأفعال، لا من الصفات والجمال. ولو قطع الإحسانُ عن هذه القلوب لتغيّرتْ وذهبت محبّتها، أو ضعفت، فإنّ باعثها إنّما هو الإحسان, و"من ودَّك لأمرٍ ولَّى عند إنقضائه" (٣)، فهو برؤية الإحسان مشغول، وبتوالي النعَم عليه محمول.

قوله: "وهي محبة تقطع الوسواس، وتلذّذ الخدمة، وتسلّي عن (٤) المصائب. وهي في طريق العوام عمدة الإيمان (٥) ". إنّما كانت هذه المحبة قاطعةً للوسواس لإحضار المحبّ قلبَه بين يدي محبوبه. والوسواس إنّما ينشأ من الغَيبة والبعد، وأمّا الحاضر المشاهد فما له وللوسواس؟ فالموسوس يجاهد نفسه وقلبه ليحضره (٦) بين يدي معبوده، والمحبّ لم يغب قلبُه عن محبوبه فيجاهدَه على إحضاره، فالوسواس والمحبة متنافيان.


(١) "ب، ط": "دامت".
(٢) "إليه" ساقط من "ك، ط".
(٣) سبق المثل والتعليق عليه في ص (٦٤٦).
(٤) في الأصل: "على"، وكذا في غيره. وهو سهو. انظر ما سبق في أول الفصل. وسيأتي مرة أخرى على الصواب.
(٥) "ب، ك، ط": "للإيمان".
(٦) "ط": "ليحضر".