للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن وجه آخر أنّ المحبّ قد انقطعت عن قلبه وساوس الأطماع، لامتلاءِ قلبه من محبة حبيبه، فلا تتوارد على قلبه جوانب الأطماع والأماني لاشتغاله بما هو فيه.

وأيضًا فإن الوسواس والأماني إنّما تنشأ من حاجته وفاقته إلى ما تعلّق طمعه به، وهذا عبد قد جنى من الإحسان, وأُعطي من النعم ما سدّ حاجته وأغنى فاقته، فلم يبق له طمع ولا وسواس. بل بقي حبُّه للمنعِم عليه، وشكرُه له، وذكرُه إيّاه في محل وساوسه وخواطره، لمطالعته (١) نعمَ اللَّه عليه، وشهوده (٢) منها ما لم يشهد غيره.

وقوله: "وتلذّذ الخدمة" هو صحيح، فإنّ المحبّ يتلذّذ بخدمة محبوبه وتصرفه في طاعته، وكلّما كانت المحبة أقوى كانت لذة الطاعة والخدمة أكمل. فليزِنْ العبد إيمانه ومحبّته للَّه بهذا الميزان, ولينظرْ هل هو ملتذّ بخدمته كالتذاذ المحبّ (٣) بخدمة محبوبه، أو متكرّه لها يأتي بها على السآمة والملل والكراهة؟ فهذا محكّ إيمان العبد ومحبته للَّه.

قال بعض السلف: إنِّي أدخل في الصلاة، فأحمل همَّ خروجي منها، ويضيق صدري إذا عرفتُ (٤) أني خارج منها.

ولهذا قال النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "جعلت قرَّة عيني في الصلاة" (٥). ومن كانت قرَّة عينه في شيء فإنَّه يودّ أن لا يفارقه ولا يخرج منه، فإن قرة عين العبد


(١) "ف، ب": "لطاعة"، غلط.
(٢) في الأصل: "شهودها"، وهو سهو، وكذا في "ك". والمثبت من "ف، ب، ط".
(٣) "بخدمته كالتذاذ المحبّ" ساقط من "ك، ط".
(٤) "ك، ط": "فرغت"، تحريف.
(٥) تقدّم تخريجه في ص (٨١).