للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أخرى، فإنَّ الحكم الواحد بالنوع يجوز تعليله بعلل مختلفة. وفي الواحد بالعين كلام ليس هذا موضعه. ومثال هذا ما نحن فيه فإنَّ (١) قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء/ ٩٥] لا يدلّ على مساواة المضرورين للمجاهدين (٢) مطلقًا من حيث الضرورة، بل إن ثبتت المساواة فإنَّها معلَّلة بوصف آخر، وهي النية الجازمة والعزم التامّ؛ والضرر المانع من الجهاد في تلك (٣) الحال لا يكون مانعًا من المساواة في الأجر، واللَّه أعلم.

والمقصود الكلام على طبقات الناس في الآخرة. وأمَّا النصوص والأدلّة الدّالّة على فضل الجهاد وأهله، فأكثر من أن تُذكرَ هنا. ولعلَّها (٤) أن تفرد في كتاب على هذا النمط إن شاء اللَّه.

فهذه الدرجات الثلاث هي درجات السبق، أعني درجة العلم والعدل والجهاد. وبها سبق الصحابة رضي اللَّه عنهم، وأدركوا مَن قبلهم، وفاتوا مَن بعدهم، واستولوا على الأمد البعيد، وحازوا قصَبات العلى. وهم (٥) كانوا السبب في بلوغ (٦) الإسلام إلينا وفي تعليم كلّ خير وهدى وسبب تُنال به السعادة والنجاة. وهم أعدل الأمّة فيما وَلُوه، وأعظمُها جهادًا في سبيل اللَّه. والأمة في آثار علمهم وعدلهم وجهادهم إلى يوم القيامة،


(١) "ط": "لأن".
(٢) "ك، ط": "المجاهدين".
(٣) "ط": "ذلك".
(٤) كتب في الأصل أولًا بعد "ولعلها": "تزيد على المأتين"، ثم ضرب عليها.
(٥) أسقطها ناسخ "ف" لظنّه أنّها مضروب عليها، وذلك محتمل.
(٦) "ك، ط": "وصول".