للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأنَّ منَّ العباد تكدير وتعيير، ومنَّ اللَّه سبحانه إفضال وتذكير.

وأيضًا: فإنَّه هو المنعِم في نفس الأمر، والعباد وسائط، فهو المنعِم على عبده في الحقيقة. وأيضًا: فالامتنان استعباد وكسر وإذلال لمن تَمُنّ عليه، ولا تصلح العبودية والذلّ إلا للَّه. وأيضًا: فالمنَّة أن يشهد المعطي أنَّه هو ربّ الفضل والإنعام وأنَّه وليّ النعمة ومُسديها، وليس ذلك في الحقيقة إلا اللَّه. وأيضًا: فالمانُّ بعطائه يشهد نفسه مترفِّعًا على الآخذ، مستعليًا عليه، غنيًّا عنه، عزيزًا؛ ويشهد ذلَّة الآخذ (١) وحاجته إليه وفاقته، ولا ينبغي ذلك للعبد.

وأيضًا: فإنَّ المعطي قد تولَّى اللَّهُ ثوابَه، وردَّ عليه أضعافَ ما أعطى، فبقي عوضُ ما أعطى عند اللَّه، فأيّ حقٍّ بقيَ له قِبَلَ الآخذ؟ فإذا امتنَّ عليه فقد ظلمه ظلمًا بيِّنًا، وادَّعى أنَّ حقَّه في قِبَله (٢). ومن هنا -واللَّه أعلم- بطلت صدقته بالمنّ، فإنَّه لما كانت معاوضته ومعاملته مع اللَّه، وعوضُ تلك الصدقة عنده، فلم يرض به، ولاحظ العوضَ من الآخذ والمعاملة عنده، فمنَّ عليه بما أعطاه = أبطل معاوضته مع اللَّه ومعاملته له.

فتأمَّلْ هذه النصائح من اللَّه لعباده، ودلالتها (٣) على ربوبيته وإلهيته وحده، وأنَّه يبطل عمل من نازعه في شيء من ربوبيته وإلهيته، لا إله غيره ولا ربَّ سواه.

ونبَّه بقوله: {ثُمَّ لَا يُتْبِعُونَ مَا أَنْفَقُوا مَنًّا وَلَا أَذًى} [البقرة/ ٢٦٢] على


(١) "ك، ط": "ذلّ الآخذ".
(٢) "ط": "قلبه" تحريف.
(٣) "ط": "دلالته".