للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثمَّ قال تعالى: {وَنَادَى أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ رِجَالًا يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيمَاهُمْ} يعني من الكفار الذين في النار. فقالوا لهم: {مَا أَغْنَى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَمَا كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ (٤٨)} يعني ما نفعكم جمعكم وعشيرتكم وتحزّبكم (١) على أهل (٢) الحقِّ ولا استكباركم. وهذا إمَّا نفي، وإمَّا استفهام توبيخ (٣)، وهو أبلغ وأفخم.

ثمَّ نظروا إلى الجنَّة فرأوا من فيها (٤) من الضعفاء الذين كان الكفار يسترذلونهم في الدنيا ويزعمون أنَّ اللَّه لا يختصّهم دونهم بفضله، كما لم يختصّهم دونهم في الدنيا، فيقول لهم أهل الأعراف: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ} أيها المشركون أنَّ اللَّه تعالى لا ينالهم برحمة، فها هم في الجنَّة يتمتَّعون ويتنعّمون، وفي رياضها يُحبَرون، ثمَّ يقال لأهل الأعراف: {ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)} [الأعراف/ ٤٩].

وقيل: إنَّ أصحاب الأعراف إذا عيّروا الكفار، وأخبروهم أنَّهم لم تُغنِ عنهم جموعهم (٥) واستكبارهم، عيّرهم الكفار بتخلّفهم عن الجنة، وأقسموا أنَّ اللَّه لا ينالهم برحمة، لما رأوا من تخلّفهم عن الجنة، وأنَّهم يصيرون إلى النار، فتقول لهم الملائكة حينئذ: {أَهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لَا يَنَالُهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٤٩)} (٦).


(١) قرأ ناسخ "ف": "تجرّيكم". وكذا في غيرها. ولكن نقطة الزاي واضحة في الأصل. وتحت الحاء نقطة أيضًا ولكنها للفاء في كلمة "فيها" الواردة في السطر التالي.
(٢) "أهل" ساقط من "ك، ط".
(٣) "ك، ط": "وتوبيخ".
(٤) "من فيها" ساقط من "ك، ط".
(٥) "ط": "لم يغن عنهم جمعهم".
(٦) ذكر القولين الطبري في تفسيره (١٢/ ٤٧١ - ٤٧٢). وانظر: تفسير البغوي =