للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

القيامة فقد قال (١) تعالى: {يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢)} [القلم/ ٤٢]. فهذا صريح في أنَّ اللَّه تعالى يدعو الخلائق إلى السجود يوم القيامة، وأنَّ الكفار يحال بينهم وبين السجود إذ ذاك، ويكون هذا التكليف بما لا يطاق حينئذٍ حسنًا (٢) عقوبةً لهم؛ لأنَّهم كُلِّفوا به في الدنيا وهم يطيقونه، فلما امتنعوا منه وهو مقدور لهم، كُلِّفوا به وهم لا يقدرون عليه (٣) حسرةً عليهم وعقوبةً لهم. ولهذا قال تعالى: {وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣)} [القلم/ ٤٣] يعني أصحاء، لا آفةَ تمنعهم منه. فلمَّا تركوه وهم سالمون (٤) دُعوا إليه في وقت حيل بينهم وبينه، كما في الصحيح من حديث زيد بن أسلم، عن عطاء، عن أبي سعيد: "إنَّ ناسًا قالوا: يا رسول اللَّه، هل نرى ربّنا". فذكر الحديث بطوله. إلى أن قال: "فيقول: تتبع كلّ أمَّةٍ ما كانت تعبد، فيقول المؤمنون: فارقنا الناس في الدنيا أفقرَ ما كنَّا إليهم، ولم نصاحبهم. فيقول: أنا ربّكم. فيقولون: نعوذ باللَّه منك، لا نشرك باللَّه شيئًا -مرَّتين أو ثلاثًا- حتَّى إنَّ بعضهم ليكاد أن ينقلب، فيقول: هل بينكم وبينه آيةٌ تعرفونه بها؟ فيقولون: نعم. فيكشف عن ساقٍ، فلا يبقى من كان يسجد للَّه من تلقاءِ نفسه إلا أذن اللَّه له بالسجود، ولا يبقى من كان يسجد اتقاءً ورياءً إلا جعل اللَّه ظهره طبقةً واحدةً كلَّما أراد أن يسجد خرَّ على قفاه، ثمَّ يرفعون رؤوسهم". وذكر الحديث (٥).


(١) "ط": "فقال".
(٢) "ج، ك، ط": "حسًّا"، تصحيف.
(٣) "ف": "وهم لا يطيقونه"، خلاف الأصل.
(٤) "يعني أصحاء. . . " إلى هنا ساقط من "ج، ط".
(٥) أخرجه البخاري (٧٤٣٩)، ومسلم (١٨٣)، وقد سبق في ص (٨٧٣).