للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ليسوا بأعدائهم، بل هم أحقّ بالعداوة ممن باينهم في الدار، ونصب لهم العداوة وجاهرهم بها. فإنَّ ضرر هؤلاء المخالطين لهم المعاشرين (١) لهم -وهم في الباطن على خلاف دينهم- أشدّ عليهم من ضرر من جاهرهم بالعداوة وألزم وأدوم، لأنَّ الحرب مع أولئك ساعة أو أيامًا ثمَّ ينقضي، ويعقبه النصر والظفر؛ وهؤلاء معهم في الديار والمنازل صباحًا ومساءً، يدلّون العدوَّ على عوراتهم، ويتربَّصون بهم الدوائر، ولا يمكنهم مناجزتهم. فهم أحقّ بالعداوة من المباين المجاهر، فلهذا قيل: {هُمُ الْعَدُوُّ} لا على معنى أنَّه لا عدوّ لكم سواهم، بل على معنى أنَّهم أحقّ بأن يكونوا لكم عدوًّا من الكفَّار المجاهرين.

ونظير ذلك قول النبيّ -صلى اللَّه عليه وسلم- "ليس المسكين بهذا (٢) الطوَّاف الذي ترذه اللقمة واللقمتان والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يسأل النَّاس، ولا يُفطَنُ له فيُتصدّق عليه" (٣). فليس هذا نفيًا لاسم المسكين عن الطوَّاف، بل إخبارٌ بأنَّ هذا القانع الذي لا يسمّونه مسكينًا أحقّ بهذا الاسم من الطوَّاف الذي يسمّونه مسكينًا.

ونظيره قوله: "ليس الشديد بالصُّرَعة، ولكن الذي يملك نفسه عند الغضب" (٤). ليس نفيًا للاسم عن الصرعة، ولكن إخبار بأنَّ من يملك


(١) "ف": "المباشرين"، سهو، فإنّ الأصل واضح.
(٢) "بهذا" ساقط من "ب، ك، ط".
(٣) من حديث أبي هريرة رضي اللَّه عنه. أخرجه البخاري (١٤٧٩)، ومسلم في الزكاة (١٠٣٩).
(٤) أخرجه البخاري في الأدب (٦١١٤)، ومسلم في البرّ والصلة (٢٦٠٩) عن أبي هريرة رضي اللَّه عنه.