للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

الجَحَاجِحَة (١)، وحفظوا على هذه الأمة دينَهم، وزادوا على إيمانهم بالغيب يقينَهم، فَمَنْ عَرَفَ للإسلام حَفه، وأوجبَ للرسول - صلى الله عليه وسلم - حُرمَتَه، وآثر طريقتَه على كلِّ طريق، ونظر فيها بتَحقيقِ وتدقيق، وعظّم من عظَمَ الله شأنه، وأعلى مكانه - لم يرتق بطعنه إلى حزب الرسول وأتباع الوحي، وأوعية الدين، وخَزَنةِ العلم الذين ذكرهم الله تعالى في كتابه: {وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة: ١٠٠]، كيف وهم أثبتوا السّنّة بإسنادهم كابرًا عن كابر، فنقلوا سيرَه وممشاه، ووصفوا ما كان عليه وشواهده، وجاءوا بأقواله وأفعاله، وأحواله في سَفَره وحَضرِه، وظعنه وإقامته، ومنامه وَيَقظته، من إشارةٍ وتصريحٍ، وقِيامٍ وقُعودٍ، ومأْكلٍ ومَشربٍ، ومَلْبسٍ ومَركَبٍ، وما كان سبيل الرِّضى والسُّخط، والإنكار والقبول، حتى القلامة من ظُفُره ما كان يصنع بها، والنُّخامة من فِيهِ كيف يلفظُها، وأين وضعها.

[[عناية المحدثين بضبط الأحاديث رواية ودراية]]

ولولا عنايتُهم بضبط الأحاديث وأسانيدها مصروفة، وبإيداعهم خزانة خاطرهم محفوظةٌ، تارة بتحمُّل المشاقّ الشَّديدة بالحلِّ والارتحال إلى البلدان البعيدة، وتارة ببذْلِ الأنفس والأموال، وارتكاب المخاوف وا لأهوال، شُحْبُ الألوان، خمْصُ البطون، نُحْلُ الأبدان، [ولولا حفظهم] (٢) المتون؛ لكاد أن تنمحي رسوم الأحكام وآثارها، ويضمحل أثر الأخبار ومنارها، ويهيم الناسُ في أودية الضَّلالة، ويبيدوا في بَيْدَاء الجهالة، ويُتمسَّك بكلِّ حديث موضوع، ويُقْنَع عن مقدارِ كلِّ منصوصٍ ومرفوعٍ.


(١) جمع جَحْجاح وهو: السيد الكريم، والهاء فيه لتأكيد الجمع، وانظر: "النهاية" (١/ ٦٨٢).
(٢) بياض في الأصل، ولعل الصواب ما أثبتناه.

<<  <   >  >>