"هذا وإن وضع الأحاديث على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من الأمور الواقعة المحققة ولا حاجة في إثباته إلى الاستدلال، وطائفةٌ من الأصوليين يستدلون على ذلك بما روي مرفوعًا: "سيُكذب عليَّ" ووجه الاستدلال به أنه لا يخلو هذا من أن يكون حديثًا أو لم يكن، فإن كان حديثًا فيلزم وقوع الكذب في بعض ما نسب إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - لامتناع الكذب في قوله، وإن لم يكن حديثًا وقد رفع إليه فيكون موضوعًا. قلت: لمن يُسلم أنه حديث صحيح لكن لا يلزم وقوع كذب بعض ما نُسب إليه لجواز أن يُكذَب عليه بعدنا قبل انقضاء الدنيا بشيءٍ، فحينئذٍ لا يلزم الآن بعض ما نُسِبَ إليه كذبًا، وفيما ذكرناه كفاية". (٢) قال مُغُلْطاي في "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق ٢٦/ ب) متعقبًا هذا الكلام: "لقائل أن يقول: إذا كذب الإنسان على سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - الذي ليس الكذب عليه كالكذب على غيره، فجائز أن يكذب على نفسه، إما للتنفير عن ذلك الحديث المروي أو لنوع آخر؛ لتحصل لغيره الريبة والشك فيه، والذي يظهر [أن] ذلك إنما يعرفه غالبًا علماء المحدِّثين الذين صار الحديث لهم ملكة نفسانية لكثرة مزاولتهم له، ولكونهم يعرفون غالب ما يقوله - صلى الله عليه وسلم - من أمر ونهي وشبه ذلك من قيامه وقعوده إلى ما لا ينحصر، فإذا رأوا شيئًا ليس عندهم فيه أصل أنكروه. مثاله: إنسان خدم إنسانًا سنين عديدة وعرف محبوبه من مكروهه، فجاء إنسان ادعى عليه أنه يكره شيئًا يعلم ذلك أنه يحبه؛ بمجرد سماعه له ينكره ويكذب الذي قاله، والله أعلم". =