والكراهة المذكورة ليست على إطلاقها ولا بد لها من قيود، هي: أولًا: إذا كان له طريق آخر سوى طريق الحي، أما إذا لم يكن طريق سواها، وحدثت واقعة فلا معنى الكراهة، لما في الإمساك من كتم العلم، وقد يموت الراوي قبل موت المروي عنه إذا لم يحدث به غيره فيضيع العلم، وهو حسن، إذ المصلحة متحقّقة، والمفسدة مظنونة. ثانيًا: يحسن تقييد الكراهة بما إذا كانا في بلد واحد، أما إذا كانا في بلدين، فلا، لاحتمال أن يكون الحامل له على الإنكار، لنفاسته مع قلّتها بين المتقدّمين، انظر: "فتح المغيث" (١/ ٣٢٠). ووجَّه مُغُلْطاي في "إصلاح كتاب ابن الصلاح" (ق ٣٢/ ب) الكراهة على احتمال أن يزيد الشيخ شيئًا أو ينقص شيئًا، أما مع الضبط في الرواية أو التصنيف كما كان يفعله مالك بن أنس وغيره من العلماء فلا. (١) بمعنى: أنه عثر على من يأخذ الأجر على الرواية ادّعاؤه وتزيّده ما لم يسمع، لأجل ما كان يعطي، ولهذا قال شعبة: لا تكتبوا عن الفقراء شيئًا، فإنهم يكذبون لكم، واكتبوا عن زياد بن مخراق، فإنه رجل موسر لا يكذب. انظر: "الكفاية" (١٥٤)، "فتح المغيث" (١/ ٣٢١)، "توضيح الأفكار" (٢/ ٢٥٤)، كتابي "المروءة وخوارمها" (٦٩). (٢) هو الإمام أبو محمد البغوي، قال الذهبي في "التذكرة" (٢/ ٦٢٢) عنه: "كان يأخذ على التحديث، ولا شك أنه كان فقيرًا مجاورًا". (٣) أخذهم كان على أنواع، فبعضهم كان يأخذ من كلّ واحد، والبعض منهم =