أحدها: الإخبارُ عن رؤيةِ هلالِ رمضانَ مِن جهة أن الصوْمَ لا يختصُّ بشخصٍ مُعَيَّن بَل عَامٌّ عَلَى جميعِ المصرِ أو أهلِ الآفاقِ - عَلَى الخلافِ فيِ أَنَّه هَلْ يشترطُ فيِ كُلَّ قومٍ رؤيتُهُم أمْ لَا؟ فَهُوَ من هذَا الوجهِ روايةٌ لِعَدمِ الاختِصاصِ بمُعَيَّن وعمومِ الحكمِ، ومن جِهةِ أنهُ حُكمٌ يختصُّ بهذَا العَامِ دُونَ مَا قبلَهُ وَمَا بعدهُ، وبهذا القرن منَ الناسِ دونَ القرونِ الماضيةِ والآتية: صَارَ فِيهِ خصوصٌ وعدمُ عُمُوم فأَشْبَهَ الشهادةَ، وحصل الشَبَهانِ فجرى الخلافُ وأمكنَ ترجيحُ أحد الشبهينِ عَلَى الآخرِ، واتَّجه الفقهُ في المذهبين، فإن عَضَّد أحدَ الشبهين حديثٌ أو قياسٌ تَعَيَّن المصيرُ إليهِ". قلت: أما قولهُ إنه رواية، فإن أراد أن حكمه حكم الرواية في الاكتفاء فيه بالواحد عند من قال بذلك فصحيح، وإن أراد أنه روايةٌ حقيقةٌ فذلك غير صحيح؛ لأنه لم يتقرر ذلك في إطلاق أحد فيما علمت، وأما قوله: إنه شهادة، فإن أراد أيضًا أن حكمه حكم الشهادة عند بعض العلماء في اشتراط العدد فذلك الصحيح، وإن أراد أنه شهادةٌ حقيقةٌ فليس كذلك لأنه قد تقرر أن لفظ الشهادة إنما يطلق حقيقة في عرف الفقهاء والأصوليين على الخبر الذي يقصد به أن يترتب عليه حكم وفصل قضاء. قلت: والذي يقوى في النظر أن مسألة الهلال حكمُها حكم الرواية في الاكتفاء بالواحد وليست رواية حقيقة ولا شهادة أيضًا، وإنما هي من نوع آخر من أنواع الخبر وهو الخبر عن وجود سبب من أسباب الإحكام الشرعية، ولا خفاء في أنه لا يتطرق إليه من الاحتمال الموجِب للعداوة ما يتطرق في فصل القضاء الدنيوي. أفاده ابن الشاط، وبهذا يزول استشكال المصنف، واللَّه أعلم.