(٢) ليست كذلك، بل هي مطَّردة! والتدقيق في التفريق بين (الرواية) و (الشهادة)، وقام القرافي ثماني سنين يتطلَّبها، وكاد أن يعجز عن ذلك، حتى وجدها في "شرح البرهان" للمازري. قال في "الفرق الأول" من كتابه "الفروق" (١/ ٧٥) بعد كلام فيه طول: "ولم أزل كذلك كثير القلق والتشوّف إلى معرفة ذلك، حتى طالعتُ "شرح البرهان" للمازري، فوجدته ذكر هذه القاعدة، وحقَّقها، وميَّز بين الأمرين من حيثُ هما، واتجهَ تخريجُ تلكَ الفروع اتجاهًا حسنًا، وظهرَ أيُّ الشَّبَهَيْنِ أقوى وأيُّ القولينِ أرجح، وأمكننَا مِنْ قِبَل أنفسِنا إِذا وَجَدْنا خِلَافًا مَحْكيًّا - وَلم يُذكَر - سببُ الخلافِ فيهِ - أن نُخرِّجهُ عَلَى وُجُودِ الشَّبَهَينِ فيهِ إنْ وجدناهمَا، ونشترطَ مَا نشترطُه ونُسقطَ ما نُسقطهُ ونحنُ عَلَى بَصيرةٍ في ذَلِكَ كُلِّه". وقالَ - رَحِمَهُ اللهُ -: "الشهادةُ والروايةُ خَبَرانِ؛ غيرَ أنَّ المُخْبَرَ عنهُ إِنْ كَانَ أمرًا عَامًّا لَا يختص بمعيَّن فهوَ الرِّوايةِ، كقولهِ - صلى الله عليه وسلم -: "إِنَّمَا الأعمالُ بِالنياتِ" وَ "الشُّفعةُ فِيمَا لَا يُقْسَمُ" لا يختصُّ بشخصٍ معين، بل ذلك على جميعِ الخلقِ في جميعِ الأعصارِ والأمصارِ، بخلافِ قولِ العدلِ عندَ الحاكِم: "لهذا عند هذا دينارٌ"؛ إلزامٌ لمعيَّن لَا يتعدَّاه إِلَى غَيرِهِ؛ فَهَذَا هُوَ الشهادةُ المحضةُ، والأولُ هو الروايةُ المحضةُ، ثم تجتمعُ الشوائبُ بعدَ ذلك. ووجه المناسبةِ بين الشهادةِ واشتراطِ العددِ حينئذ وبقيةِ الشُّروطِ: أنَّ إلزامَ المعين تُتوَقَّع فِيهِ عَدَاوةٌ باطنةٌ لَمْ يطلعْ عليهَا الحاكِمُ فَتَبْعَث العدُوَّ عَلَى إِلزام عَدُوِّهِ مَا لَمْ يكنْ لازمًا له، فاحتاط الشارع بذلك واشترط معه آخرَ، إِبعَادًا لهذا الاحتمال، فإذا اتَّفقا في المقال قرُب الصِّدق جدًّا بخلاف الواحد" ثم قال بعد كلام: "وحينئذٍ نقولُ: الخبرُ ثلاثةُ أقسامٍ: روايةٌ محضةٌ: كالأحاديثِ النَّبوِيَّةَ. وشهادةٌ محضةٌ كإخبارِ الشهودِ عَنِ الحقوق على المُعَيَّنينَ عند الحاكِمِ. =