وكذلك ينبغي للمعلِّمِ أن لا يطوِّلَ على المتعلِّمِ في الفن الواحدِ بتفريق المجالسِ، وتقطيعِ ما بينها؛ لأنه ذريعة إلى النسيانِ وانقطاعِ مسائلِ الفن بعضها من بعضٍ، فيعسر حصولُ المَلَكَةِ بتفريقها. وإذا كانت أوائلُ العلم وأواخرُه حاضرةً عند الفكرةِ مُجانبةً للنسيانِ كانت المَلَكَة أيسرَ حصولًا وأَحكمَ ارتباطًا وأقربَ صبغةَ؛ لأن المَلَكَاتِ إنَما تحصلُ بتتابعِ الفعلِ وتكرارهِ، وإذا تُنوسي الفعلُ تُنوسيت المَلَكَةُ الناشئةُ عنه، والله علمكم ما لم تكونوا تعلمون. ومن المذاهب الجميلةِ والطرقِ الواجبةِ في التعليم أن لا يُخلطَ على المتعلمِ علمان معًا؛ فإِنه حينئذٍ قل أن يظفرَ بوَاحدٍ منهما، لما فيه من تقسيمِ البالِ وانصرافهِ عن كل واحدٍ منهما إلى تفهمِ الآخَرِ، فيستغلقان معًا ويستصعبان، ويعود منهما بالخيبة، وإذا تفرغ الفكرُ لتعليمِ ما هو بسبيله مقتصرًا عليه، فربَّما كان ذلك أجدر بتحصيله، والله سبحانه وتعالى الموفقُ للصواب". وانظر: "الجامع" للخطيب (١/ ٢٣١ - ٢٣٢). (١) أخرجه المبارك بن عبد الجبار في "الطيوريات" (رقم ١٣٣٦ - انتخاب أبي طاهر السلفي) والخطيب في "الجامع" (١/ ٢٣٢) رقم (٤٥٠). و"حديثًا وحديثين" كذا في الأصل! وحقها -كما في المصادر-: "حديث وحديثان". (٢) الإتقان عند الأقدمين هو الحفظ، أخرج الرامهرمزي في "المحدث الفاصل" (ص ٢٠٦) والخطيب في "الجامع" (١٠٣٧) والقاضي عياض في "الإلماغ" (٢١٥) عن عبد الرحمن بن مهدي قال: "لا يكون إمامًا في العلم من =