للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
رقم الحديث:

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= إلى أن ينتهي إلى آخر الفن، فتجودَ مَلَكَتُه ثُمَّ يرجعُ به وقد شَدَا (أي: أخذ طرفًا من العلم) فلا يترك عويصًا ولا مُبْهَمًا ولا مَعَلقًا إلا وضحه وفتحَ له مُقْفَلَهُ؛ فيخلص من الفن وقد استولى على مَلَكَتِهِ.
هذا وجهُ التعليم المفيدِ، وهو كما رأيتَ إِنمَا يحصل في ثلاثِ تكراراتٍ، وقد يحصلُ للبعض في أقل من ذلك بحسبِ ما يُخلَقُ له ويتيسَّرُ عليه.
وقد شاهدنا كثيرًا من المعلمين لهذا العهدِ الذي أدركنا يجهلون طرقَ التعليم وإفادتِهِ ويحضرون للمتعلمِ في أولِ تعليمه المسائِلَ المقفَلَةَ من العلمِ ويطالبونه بإحضارِ ذهنِهِ في حَلِّها ويحسبون ذلك مِرَانًا على التعليمِ وصوابًا فيه، ويكلفونه وَعْيَ ذلك وتحصيلَه، ويخلطون عليه بما يلقون له من غاياتِ الفنونِ في مبادئها، وقبل أن يستعدَّ لفهمها.
فإِنَّ قبولَ العلم والاستعدادتِ لفهمه تنشأ تدريجًا، ويكون المتعلِّمُ أولَ الأمر عاجزًا عن الفهم بالجملةِ إلا في الأقل وعلى سبيلِ التقريبِ والإجمالِ وبالأمثلةِ الحسية.
ثم لا يزال الاستعدادُ فيه يتدرَّجُ قليلًا قليلًا بمخالفةِ مسائلِ ذلك الفن وتكرارِها عليه والانتقالِ فيها من التقريبِ إلى الاستيعاب الذي فوقه، حتى تتمَّ المَلَكَةُ في الاستعدادِ ثمَّ في التحصيلِ، ويحيط هو بمسائلِ الفن.
وإذا ألقيت عليه الغاياتُ في البداياتِ، وهو حينئذٍ عاجزٌ عن الفهمِ والوعي، وبعيدٌ عن الاستعدادِ له كَل ذهنُه عنها، وحَسِبَ ذلك من صعوبةِ العلم في نفسهِ فتكاسلَ عنه، وانحرفَ عن قبوله، وتمادى في هجرانه، وإنَّما أتى ذلك من سوءِ التعليمِ.
ولا ينبغي للمعلِّمِ أَنْ يزيد متعلِّمه على فهمِ كتابه الذي أكب على التعليمِ منه بحسب طاقته، وعلى نسبة قبوله للتعليمِ مبتدئًا كان أو منتهيًا، ولا يخلط مسائلَ الكتابِ بغيرها حتَى يَعِيَهُ من أوَّلِهِ إلى آخرِهِ ويحصِّلَ أغراضَه ويستولي منه على مَلَكةِ بها ينفذ في غيره.
لأنَّ المتعلِّمَ إذا حصَّلَ مَلَكةً ما في علمِ من العلومِ استعدَّ بها لقبولِ ما بقي، وحصلَ له نشاطٌ في طلب المزيد والنهوضِ إلى ما فوق، حتى يستولي على غاياتِ العلمِ، وإذا خُلطَ عليه الأمرُ عجزَ عن الفهم، وأدركه الكلالُ، =

<<  <   >  >>