وَلا يتصَورُ أنْ يَبْقَى كُلُّ مُصَنّفٍ قَدْ صنّفَ كبير، ومؤلف كذلك صغير على وجه السَّمَاع المُتَّصل على قديم الدَّهْر المُنْفَصل، ولا يَنْقَطِعُ مِنْهُ شيءٌ بِمَوْت الرواة، وَفَقْد الحُفَّاظ الوعاة؛ فَيُحْتَاج عِنْد وجودِ ذَلِكَ إلى اسْتِعْمالِ سَبَبٍ فيه بَقَاء التأليف وَيقْضي بدوَامِه، ولا يؤدّي بَعْدُ إلى انْعِدَامه. فَالْوصُولُ إذًا إلى رِوَايته بالإجازة فيه نَفْع عظيم، ورَفْدٌ جسيم، إذِ الْمَقْصُود به إِحْكَام السُّنَنِ المَرْويّة في الأَحْكام الشَّرعيَّة، وإِحْياء الآثار على أَتَمّ الإيثار سواء كان بالسَّمَاع أَوِ الْقِرَاءَةِ أوِ الْمُنَاوَلة وَالإْجازة. لَكِن الشَّرْط فيه الْمُبَالَغَة في الضَّبط وَالإِتْقَان، وَالتَّوَقّي مِنَ الزِّيادة وَالنُّقْصان وَأَنْ لا يُعَوّل فيما يُرْوى عن الشيخ بالإجازة إلّا على ما يُنْقَلُ مِنْ خَطِّ مَنْ يُوْثَقُ بِنَقْلِه، ويُعَوّل على قَوْله، ثم بَعْد ذلك الْجُنُوح إلى التَّسْهيل الَّذي هو سَوَاء السَّبيل، وَالْمَيْل إلى التَّرْخِيْص لا الْمَنْع والتَّغْليظ المؤَدِّيَيْن إلى عَدَم التَّخْليص أَخْذًا بقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} و {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} … ". وانظر الأدلة النقلية على صحة الإجازة في "مأخذ العلم" (٤٠) لابن فارس. (١) على هذا درج أهل الصنعة الحديثية، ولذا قال السخاوي في "الفتح" (٢/ ٦٦) عمن عمل بها: "سلفًا وخلفًا رواية وعملًا، بالمرويّ به بشرطه"، ولا مجال إلَّا لهذا التصحيح، والمنع لمخافة الدخل والدّخن ليس بكافٍ، فهو حاصل معها، وعلى وجه أظهر في صور يجوِّزها المانعون، فافهم. (٢) يجب على الطالب الذي أُطلقت له الإِجازة أن يتفحَّص عن أُصول الراوي من جهة العدول الأثبات، فما صحَّ عنده من ذلك جاز له أن يحدِّث به، قاله الخطيب في "الكفاية" (٢/ ٣١٤ - ط دار الهدي) أو (ص ٣٣٤)، ونقله عن شيخه أبي بكر البرقاني، وذكر أنه استخار الله كثيرًا في تجويز ذلك.