ثم ظفرت بعد تدوين ما سبق بكتاب المصنف "المعيار في علل الأخبار" (١/ ١٢ - ١٣) ووجدته يقول على إثر كلام ابن الصلاح السابق: "قلت: في قوله هذا إشكال؛ وذلك لأن مراده بالصحيح إن كان صحيحًا مطلقًا سواءٌ كان على شرط الإِمامين أو لم يكن، فمن الضرورة أنه فات الأصول الخمسة شيءٌ كثيرٌ كثير، لما نُقل عن البخاري أنه يحفظ مئة ألف حديث صحيح، وعن مسلم أنه ليس كل صحيح عندي وضعته ههنا - يعني في كتابه الصحيح - إنما وضعت ههنا ما أجمعوا عليه - أي على شرط صحته -، ومعلوم أن أحاديث الكتب الخمسة بجملتها لا تبلغ ثلث ذلك إذا كان مراده بالصحيح ما هو على شرط البخاري ومسلم، فلا يرد إشكاله على الحافظ أبي عبد الله بن أخرم إذ مراده بالفائت من هذا القسم، وفوته حينئذٍ عن كتابه قليل. وأما "المستدرك" لأبي عبد الله ففيه بحث؛ إذ خرَّج للضعفاء والمتروكين وأدرج فيه من المنكر والضعيف ما لا يخفى على أهل هذا الشأن، ويلزمه أيضًا أن يكون أصول الخمسة على شرط "المستدرك" ليصح استدراكه؛ وهو بعيد جدًّا على أن في "المستدرك" من الصحيح ما لم يورداه في كتابيهما، وفيه ما هو على شرطهما لا على ما التزم أبو عبد الله الحاكم لهما من أن المتفق عليه أن يرويه الصحابي المشهور عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وله راويان ثقتان، ثم يروي عنه التابعي المشهور بالرواية عن الصحابي وله راويان ثقتان، ثم يروي عنه من أتباع التابعي الحافظ المتقن المشهور وله رواة من الطبقة الرابعة يكون شيخ البخاري ومسلم، فإن هذا الشرط ليس بمطرد في كتابيهما، إذ في "الصحيحين" مما لا يروي إلا شخصٌ واحدٌ وليس له إلا راوٍ واحد، وباعتبار هذا الشرط على زعمه أن ما في "المستدرك" على شرط البخاري ومسلم، وهذا شرطه يلزم أن يكون أعلى مرتبة في الصحة لما هنا، إنَّ في "الصحيحين" بعض ما لم يوجد فيه هذا، وهذا معول من التحقيق، إذ في "المستدرك" من الأحاديث الضعيفة، قال صاحب "الميزان": صحَّح في "مستدركه" أحاديث ساقطة ويُكثر من ذلك، … ".