والمنع بإطلاق هو مذهب أبي بكر الرازي من الحنفية، وبه قال بعض المحدِّثين وطائفة من الفقهاء والأصوليين من الشافعية وغيرهم، وهو مذهب الظاهرية. وإليه جنح القاضي عياض في "الإلماع" (١٨٠) فإنه قال على إثر نقله المنع عن مالك: "وما قاله -رحمه الله- الصواب، فإن نظر الناس مختلف، وأفهامهم متباينة {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: ٧٦]، كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "ورب حامل فقه إلى من هو أفقه منه"، فإذا أدى اللفظ أمن الغلط واجتهد كل من بلغ إليه فيه، وبقي على حاله لمن يأتي بعد، وهو أَنْزَهُ للراوي، وأخلص للمحدث. ولا يحتجّ باختلاف الصحابة في نقل الحديث الواحد بألفاظ مختلفة، فإنهم شاهدوا قرائن تلك الألفاظ، وأسباب تلك الأحاديث، وفهموا معانيها حقيقة، فعبّروا عنها بما اتفق لهم من العبارات، إذ كانت محافظتهم على معانيها التي شاهدوها والألفاظ ترجمة عنها. وأما مَنْ بعدهم فالمحافظة أولًا على الألفاظ المبلَّغة إليهم التي منها تستخرج المعاني، فما لم تضبط الألفاظ وتتحرى وتسومح في العبارات والتحدث على المعنى انحل النظم، واتسع الخرق". وقال أيضًا (ص ١٨٦): "ينبغي سد باب الرواية بالمعنى لئلا يتسلط من لا يحسن من يظن الحفظ كما وقع لكثير من الرواة قديمًا وحديثًا". وذهب ابن حبان في "المجروحين" (١/ ٧٨) إلى ترك الاحتجاج برواية الثقة غير الفقيه إذا حدث من حفظه، بناء على هذا الأصل، وهو مذهب شاذ، انظر رده في "شرح علل الترمذي" لابن رجب (١/ ٤٣١ و ٢/ ٨٣٧). وانظر في المنع والمانعين وحججهم: "المحدث الفاصل" (٥٣٤، ٥٣٥، ٥٣٨، ٥٤٠، ٥٤٣)، "تقدمة الجرح والتعديل" (ص ١٤٣)، "طبقات=