نعم، أسند ابن عبد البر في "الجامع" (١/ ٥٥٤) رقم (٩٢٤)، بسندٍ فيه - المقدام بن داود- ضعيف- عن أشهب قال: سئل مالك عن رفع الصوت في المسجد في العلم وغيره، قال: لا خير في ذلك في العلم ولا في غيره، ثم أسند الجواز في حديث "ويل للأعقاب من النار" وفيها فنادى - صلى الله عليه وسلم - بأعلى صوته". قلت: وبوَّب عليه البخاري في "صحيحه" (باب من رفع صوته بالعلم)، ويكون هذا حيث تدعو الحاجة إليه لبُعد أو كثرة جمعٍ أو غير ذلك. انظر "صحيح البخاري" (٦٠، ٩٦، ١٦٣) و"فتح الباري" (١/ ١٤٣). قلت: ومثله في رفع الصوت في العلم: ما ثبت في "صحيح مسلم" (٨٦٧) عن جابر قال: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا خطب، وذكر الساعة، اشتدّ غضبُه، وعلا صوتُه"، ولأحمد في "المسند" (٤/ ٢٧٢) من حديث النعمان في معناه، وزاد: "حق لو أنّ رجلًا بالسّوق، لسمعه". وأخيرًا، لا بد من النّية المصالحة في نحو ما فعل مالك من تسريح اللحية والهيبة والوقار والاغتسال والتبخّر والتّطيب، وقد نبه العلماء على أنه لا ينبغي اتباعه فيها إلا لمن صحَّت نيّتُه في خلوص هذه الأفعال، تعظيمًا للحديث لا لنفسه، لأن للشيطان وساوس في مثل هذه الحركات، فإذا عرفتَ أن نيّتك فيها كنيّة مالك فافعلها، ولا تطلع على نيّتك غيرُ الله، ويقال: إن مالكًا لم يبتدع هذه الكيفية، وإنما أخذها عن سعيد بن المسيب، انظر: "نكت الزركشي" (٣/ ٦٤٥)، "فتح المغيث" (٢/ ٢٧٨).