قل لمن لا يرى المعاصر شيئًا … ويرى للأوائل التقديما إن ذلك القديم كان حديثًا … وسيبقى هذا الحديث قديما ثم قال: فلا تغتر بقول القائل: "ما ترك الأول للآخر" بل القول الصحيح: "كم ترك الأول للآخر"، فإنما يستجاد الشيء ويسترذل لجودته ورداءته في ذاته لا لقدمه وحدوثه، ويقال ليس كلمة أضر بالعلم من قولهم: "ما ترك الأول شيئًا". نعم، من الضرورة مراعاة التهذيب والتحرير وترداد النظر في الكتاب؛ وفائدة ذلك تصحيح وهم وقع، أو إضافة ما يفيد، أو تغيير ترتيبه إلى الأحسن". ورحم اللَّه القاضي عبد الرحيم البيساني القائل: "إني رأيت أنه لا يكتب إنسان كتابًا في يومه، إلا قال في غده: لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زيد كذا لكان يستحسن، ولو قُدم هذا لكان أفضل، ولو ترك هذا لكان أجمل، هذا من أعظم العبر، وهو دليل على استيلاء النقص على جملة البشر" نقله الزبيدي في (ديباجة) "إتحاف السادة المتقين" (١/ ٣). (١) ظفرت بكلمة جامعة للغزي في "الدر النضيد في أدب المفيد والمستفيد" (ص ٢٨٣ - ٢٨٤) فيما ينبغي على المصنف أن يراعيه، قال: "يَنبغي لمن كَمُلَتْ أهليتْه وَتَمَّتْ فَضليتُه أنْ يَعتَنيَ بالتَّصنيف، ويجدَّ في الجمعِ والتأليفِ مُحققًا كُل ما يَذْكُره، مُتثبِّتًا في نَقْلهِ واستِنباطهِ، مُتحرّيًا إيضاحَ العبارةِ وإيجازَها، ولا يُوضِحُ إيضَاحًا يَنْتهي إلى الرَّكاكَة، ولا يُوجِزُ إيجازًا يَنْتهي إلى المَحْقِ والاسْتغلاقِ، ولا يُطول تَطويلا يُؤدي إلى المَلالةِ، مُجتنبًا الأدِلةَ الضعيفةَ والتَعليلاتِ الواهيةَ، مُبَينًا للمُشْكلاتِ، مُجيبًا عن التعقباتِ، مُستَوْعبًا مُعْظَمَ أَحْكامِ ذلك الفن، غَيْرَ مُخل بشيء مِن أصولِهِ، مُنبِّهًا على القواعِدِ والنَّوادِرِ، فبذلك تظْهَرُ له حقائِقُ العلمِ ودقائِقُه، وتنكشفُ له المشكلاتُ، ويَطَّلعُ على إِيضاحِ الغَوامضِ وحَل المُعضلاتِ، ويثبتُ عنده العلمُ، ويرسخُ =