للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أفضلُ لِمَنْ نَوَى سفَرًا مباحًا

كالمسافرِ فقط يقصرُ العددَ، والخائفِ فقط يقصرُ العملَ.

وهذا توجيهٌ حسَنٌ في الآيةِ الكريمةِ. لكنْ يردُ عليه ما روي عن يعلى بنِ أميةَ قال: قلتُ لعمرَ بن الخطابِ: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا} [النِّساء: ١٠١] فقدْ أمِنَ الناسُ؟ فقال: عجبتُ مما عجبتَ منه، فسألتُ رسولَ الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك فقال: "صدقةٌ تصدَّقَ اللهُ بها عليكمْ، فاقبلُوا صدقتَهُ". رواه الجماعةُ (١) إلا البخاريَّ. فظاهرُ ما فهمِهُ عمرُ ويعلى: تقيدُ قصرِ العددِ بالخوفِ. والنبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أقرَّهُما على ذلك، وبيَّن لهما أنَّ جوازَ القصرِ من غيرِ شرطِ الخوفِ صدقةٌ من اللهِ عليهم (٢)

(أفضلُ) من الإتمامِ، نصًّا؛ لأنَّه عليه السَّلامُ وخلفاءَه داوموا عليه. وروى أحمدُ (٣) عن عمرَ: "إنَّ اللهَ يحبُّ أنْ تُؤتى رخصُه، كما يكرَه أنْ تُؤتي معصيتُه". (لمَنْ نَوى سفرًا مباحًا) أي: ليس حرامًا ولا مكروهًا. واجبًا كان، كحجٍّ وجهادٍ متعيِّنَين، أو مسنونًا، كزيارةِ رحمٍ، أو مُستَوي الطَّرفين، كتجارةٍ.

والمعتبرُ: نيَّةُ السفرِ المذكورِ، لا حقيقتُه. فلو نواه، ثمَّ رجعَ قبلَ استكمالِ المدَّةِ، وكان قدْ قصرَ، فلا إعادةَ، ولو لم ينو لم يقصرُ، ولو جاوزَ المسافةَ، كمَنْ خرجَ في طلبِ ضالةٍ، أو آبقٍ، وجاوزَ ستَّةَ عشرَ فرسخًا، لم يجزْ له القصرُ حتى


(١) أخرجه مسلم (٦٨٦)، وأبو داود (١٢٠١)، والترمذي (٣٠٣٤)، والنسائي (١٤٣٣)، وابن ماجه (١٠٦٥).
(٢) انظر "شرح الزركشي" (٢/ ١٣٥، ١٣٦).
(٣) أخرجه أحمد (١٠/ ١٠٧) (٥٨٦٦) من حديث ابن عمر. وصححه الألباني في "الإرواء" (٥٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>