للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اختلاف دينِها عن دينِه، لا دارِها عن دارِه.

وفي هذا يقول ابن العربي: "الذي أوجب فُرْقَةَ المسلمة من زوجها هو إسلامُها، لا هجرتُها؛ لأن الله -سبحانه وتعالى- قد قال: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] فبيَّنَ أن العلة عدم الحِلِّ بالإسلام، وليس باختلاف الدارين" (١)، ووافقه القرطبي حيث قال: "هذا أدلُّ دليلٍ على أن الذي أوجب فُرْقَةَ المسلمة من زوجها إسلامُها، لا هجرتُهَا. . . وقال ابن عبد البر: لا فَرْقَ بين الدارين، لا في الكتاب والسنة، ولا في القياس، وإنما المراعَى في ذلك الدينانِ، فباختلافهما يقع الحكم وباجتماعهما، لا بالدار، والله المستعان" (٢).

وقال ابن القيم: "قال الجمهور: لا حجة لكم في شيء من ذلك؛ فإن قوله تعالى: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ} [الممتحنة: ١٠] إنما هو في حال الكفر؛ ولهذا قال: {وَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ} [الممتحنة: ١٠] ثم قال: {لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] وأما قوله: {وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا} [الممتحنة: ١٠] فقد تنازع الناس فيه، فقالت طائفة: هذا منسوخ، وإنما كان ذلك في الوقت الذي كان يجب فيه رَدُّ المهر إلى الزوج الكافر إذا أسلمت امرأته، وأما من لم يَرَهُ منسوخًا فلم يجب عنده رَدُّ المهر لاختلاف الدارين، بل لاختلاف الدين، ورغبة المرأة عن التربص بإسلامه؛ فإنها إذا حاضت حيضة ملكت نفسها، فإن شاءت تزوجت وحينئذٍ تَرُدُّ عليه مهرَهُ، وإن شاءت أقامت وانتظرت إسلامه.

وأما قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ} [الممتحنة: ١٠] فإنما ذلك بعد انقضاء عدتها ورغبتها عن زوجها، وعن التربص بإسلامه، كما قال تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا} [البقرة: ٢٣٠] والمراد بعد انقضاء عدتها ورضاها، وأما قوله: {وَلَا


(١) أحكام القرآن، لابن العربي، (٤/ ٢٣٠).
(٢) تفسير القرطبي، (١٨/ ٦٣ - ٦٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>