للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإباحة اللجوء إلى القضاء هنا مستندها القاعدة الفقهية التي ذكرها ابن نجيم وغيره: أن الحاجة العامة أو الخاصة تنزل منزلة الضرورة، والمراد بمنزلة الضرورة أنها تؤثِّر في الأحكام فتبيح ارتكابَ المحظور، أو تَرْكَ الواجب وغير ذلك، مما يستثنى من القواعد الأصلية (١).

وقد ذهب إلى هذا أو قريب منه الشيخ ابن بيَّه فقال: "ومع ما تقدم -أي: من استبعاده لمأخذ قرار المجلس الأوروبي للإفتاء في هذا الشأن- فإن القول بإنفاذ الطلاق لا يبعد، وذلك بإيجاب طلاق الزوجة على الزوج، وعلى جماعة المسلمين أن يحكموا بهذا الطلاق حتى لا تظل الزوجة على معصية، كما قدمنا عن المالكية في الزوجة الناشز؛ درءًا للمفسدة وتوسيعًا لمفهوم إنفاذ أحكام قضاة الجور المسلمين المُولَّيْنَ من طرف الكفار؛ ليشمل القضاة الكفار درءًا للمفسدة التي أشار إليها العز ابن عبد السلام في الحالة الأولى حيث قال: "ولو استولى الكفار على إقليم عظيم، فولَّوُا القضاءَ لمن يقوم بمصالح المسلمين العامة؛ فالذي يظهر: إنفاذ ذلك كله جلبًا للمصالح العامة، ودفعًا للمفاسد الشاملة؛ إذ يبعد عن رحمة الشارع ورعايته لمصالح عباده تعطيلُ المصالح العامة، وتحمُّلُ المفاسد الشاملة؛ لفوات الكمال فيمن يتعاطى توليتها ممن هو أهل لها، وفي ذلك احتمال بعيد" (٢).

وحيث يقول أيضًا -في الشهادة، وهي صنو القضاء-: "بل لو تعذرت العدالة في جميع الناس لما جاز تعطيل المصالح المذكورة، بل قدمنا أمثل الفسقة، فأمثلَهم وأصلَحَهم للقيام بذلك فأصلَحَهم؛ بناءً على أنَّا إذا أُمِرْنا بأمر أتينا بما قدرنا عليه، ويسقط عنا ما عجزنا عنه، ولا شك أن حفظ البعض أولى من تضييع الكل، وقد قال شعيب -عليه السلام-: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ} [هود: ٨٨]، وقال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} [التغابن: ١٦]، فعلَّق تحصيل مصالح التقوى على الاستطاعة، فكذلك المصالح


(١) الأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص ١٠٠)، الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ٨٨).
(٢) قواعد الأحكام، للعز ابن عبد السلام، (١/ ١٢١ - ١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>