للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأول: اختلاف وجهات النظر فيها، ولو في الزمان الواحد؛ لاختلاف مسالك المجتهدين في التماس المصلحة، وغير ذلك.

الثاني: اختلاف الفُتيا فيها من زمان لآخر، وتغير الفُتيا عند تغير المصالح والأعراف والعادات بتغير الأزمان، حيث ينتقل من حكم شرعي كان مناسبًا في وقت إلى حكم شرعي آخر؛ لكونه أكثر مناسبة فيما استجد من الزمان.

فالقسم الأول من أحكام الشريعة هو الذي ينبغي أن يحمل عليه قول ابن حزم فيما سبق، وكذلك قول كل من منع تغير الأحكام بتغير الأزمان؛ إذ الراجح أن أغلبهم لم يقصد تجميد أحكام الشريعة، وإنما قصد حماية الشريعة من التبديل والتحريف؛ ولذلك رأينا فضيلةَ الشيخِ بكر أبي زيد بعد ما حمل على القائلين بتغير الأحكام قال:

"والعصرانيون دخلوا من هذا التقعيد الصوري إلى أوسع الأبواب فأخضعوا النصوص ذات الدلالة القطعية كآيات الحدود في السرقة والزنا ونحوهما بإيقاف إقامة الحدود؛ لتغير الزمان، وهكذا، مما نهايته انسلاخ من الشرع تحت سرادق موهوم" (١).

وعليه فينبغي الحذر من طائفتين: إحداهما: استغلت هذه المقولة لتحقيق بغيتها في نفث سمومها والسعي في إطفاء نور الله وتحريف دينه باسم "تجديد الخطاب الديني"! والثانية: وجدت في هذه المقولة وسيلة للتوفيق بين الفكر الغربي المعاصر وبين أحكام الشريعة!

ولا شك أن القائلين بتغير الأحكام بتغير الأزمان، أو بعبارة أدق: تغير الفُتيا بتغير الأزمان والأحوال، لم يقصدوا ما قصده المنحرفون، بل لم يتركوا فرصة لاستغلال هؤلاء المغرضين، أو انزلاقهم إلى ما يريدون من التحريف والتزييف؛ حيث وضعوا الاحتياطات اللازمة، وبيَّنوا البيان الكافي، فمن ذلك أنهم قسموا الأحكام الشرعية إلى


(١) التعالم وأثره على الفكر والكتاب، ضمن المجموعة العلمية للشيخ بكر أبي زيد، دار العاصمة، الرياض، ط ١، ١٤١٦ هـ، (ص ٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>