للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مبادئ الإسلام وقواعده العامة، وعلى هذا فإن المبدأ الشرعي باقٍ لا يتغير، وليس في النهاية تبدل الأحكام إلا بتبدل الوسائل التي يتحقق بها مراد الله في الأرض؛ وذلك لأن الأساليب لم تضبطها الشريعة ضبطَّاً كاملًا، بل بقيت مطلقة وعامة حتى يبقى للعقل البشري مجال يعمل فيه ويكون متجاوبًا مع زمانه ومع ظروفه؛ إذ ليس هو من أساسه إلا تطبيقًا لأوجه متعددة لحكم ثابت.

وأيضًا يكون الثبات في الأصول والكليات، وأما التغير ففي الفروع والجزئيات، ويكون هذا في مجال الاجتهاد، وفي نطاق النصوص المحتملة، وهو ما يؤيد القول بعدم جواز تبديل الأحكام الثابتة بالنص، مثل: أحكام العبادات؛ لأنه بالتأمل فيما نقل عن الصحابة -ولا سيما في عهد الخليفتين أبي بكر وعمر- والتابعين وبعض الأئمة بتجاوز بعض الأحكام كمنع عطاء المؤلفة قلوبهم، نجد أنه ليس فيه تبديل ولا خروج على تلك النصوص، لكنهم قد قاموا بما تقتضيه حال الزمان والمكان بقدر الإمكان". (١)

ولأجل هذا المعنى اختلفت أجوبة النبي - صلى الله عليه وسلم - على السؤال الواحد نظرًا لاختلاف السائلين، فعن عبدِ اللهِ بن عمرو بن العَاصِ قال كنَّا عند النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فجاءَ شابٌّ فقال: يا رسولَ الله أُقَبِّلُ وأنا صَائِمٌ؟ قَالَ: "لَا"، فجاءَ شيخ، فقال: أُقَبِّلُ وأنا صائمٌ؟ قال: "نعم قال: فنظرَ بَعضُنا إلى بعضٍ فقال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "قد علمتُ لم نظرَ بعضُكم إلى بعضٍ إنَّ الشيخَ يملِكُ نَفسَهُ" (٢)، فاختلف جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - لاختلاف حالهما.


(١) تغير الأحكام في الشريعة الإسلامية، د. إسماعيل كوكسال، مؤسسة الرسالة، بيروت، ط ١، ١٤٢١ هـ - ٢٠٠٠ م، (ص ٢٨٨ - ٢٨٩).
(٢) أخرجه: أحمد، (٢/ ١٨٥)، وأبو القاسم سليمان بن أحمد بن أيوب الطبراني في "المعجم الكبير" -كما في "مجمع الزوائد" (٣/ ١٦٦) -، قال الهيثمي: "فيه ابن لهيعة؛ وحديثه حسن، وفيه كلام" اهـ، وصححه الشيخ محمد ناصر الدين الألباني في "السلسلة الصحيحة"، مكتبة المعارف، الرياض، ١٤١٥ هـ, (١٦٠٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>