للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالمرأة عند الناس" (١). ويذهل عن المخرج وقرائن الأحوال في الزمان والمكان، وقد يسوِّغ هذا لنفسه ويفتن الناس به فتقع الكوارث والطامَّات.

فإنه في زمان أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان وجود الناس وحضور رقابة المجتمع مانعة حقيقة من حصول الخلوة أو حدوث ما حرَّم الله؛ لأنهم كانوا حقًّا في مجتمع الطهارة الذي تعد فيه النظرة النشاز والكلام الزائد عن الحاجة قادحًا في المروءة والدين، أما في مجتمعات المسلمين اليوم والتي أصبح وجود الناس فيها وحضور رقابتهم وعدمها سواء فإن الفتيا والعمل بمثل هذا جرأة لا تحمد، مع الاختلاف الظاهر في الزمان والقرائن والأحوال.

وقد علَّق الحافظ ابن حجر على الحديث بقوله: "قال المهلِّب: لم يُرد أنس أنه خلا بها بحيث غاب عن أبصار من كان معه، وإنما خلا بها بحيث لا يسمع من حضر شكواها، ولا ما دار بينهما من الكلام؛ ولهذا سمع أنس آخر الكلام فنقله، ولم ينقل ما دار بينهما. . . وفيه أن مفاوضة المرأة الأجنبية سرًّا لا يقدح في الدين عند أمْنِ الفتنة، ولكن الأمر كما قالت عائشة: وأيكم يملك إربه كما كان - صلى الله عليه وسلم - يملك إربه" (٢).

فهذا مما تتغير فيه الفتيا حسب القرائن والأحوال، فيقيد بشرط أمْنِ الفتنة فإن تحقق المناط فبها، وإلا فلا.

ومن أمثلة ذلك أيضًا: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن التقاط ضالة الإبل بقوله: "وما لك


= وسير أعلام النبلاء، للذهبي، (١٢/ ٣٩١).
(١) قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري، دار المعرفة، بيروت، ١٣٧٩ هـ، (٩/ ٣٣٣): "وأخذ المصنف قوله في الترجمة: "عند الناس" مِن قوله في بعض طرق الحديث: "فخلا بها في بعض الطرق أو في بعض السكك" وهي الطرق المسلوكة التي لا تنفك عن مرور الناس غالبًا".
(٢) المصدر السابق، (٩/ ٣٣٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>