وبناء على ما سلف فلا مانع من وجود المجتهد المتخصص في فقه ونوازل الأقليات، وآخرين في أبواب أخرى بحيث تقوم الجماعة مقام المجتهد المطلق.
على أنه تجدر الإشارة في هذا المقام إلى التفريق بين الإجماع الأصولي المعتبر بشروطه وبين القرارات التي تصدر عن بعض هذه المجامع؛ إذ إنها لو صدرت بإجماع أعضاء المجمع المعين مثلًا لم تصل إلى مرتبة الإجماع الأصولي في الحجية؛ إذ لا يخفى أن أعضاء مجمع معين ليسوا كل فقهاء الأمة ومجتهديها، بل هم فئة منهم، على أن الفتاوي الجماعية ربما تكون في ظروف خاصة واقعة تحت ضغوط معينة، وكلما كانت تلك المجامع بعيدة عن سلطان الحكومات، متحررة من ضغوط السياسات كان أنفع، وكان نظرها في النوازل التي تتولى دراستها أنجع (١).
وفي جميع ما ذُكِرَ إنهاضٌ للفقه الإسلامي وتجديدٌ له وإثراء وإحياء لمواكبته حركةَ الحياة والأحياء.
٢ - إن إعطاء هذه النوازل أحكامَها الشرعية المناسبة لها هو دعوة صريحة معلنة إلى تحكيم الشريعة الإسلامية في جميع جوانب الحياة، وهو بيان عملي تطبيقي يبرهن -مجددًا- على صلاحية هذه الشريعة المطهرة لكل زمان ومكان، وهو إقامة للحجة على أعدائها، وتأكيد لما تقرر من رعايتها للمصالح الضرورية والتي جاءت الشريعة بحمايتها وحفظها؛ لتقوم حياة الإنسان في معاشه ومعاده، وهي: حفظ الدين، والنفس، والنسل، والعقل، والمال.
وكذلك رفع الحرج عن الإنسان ودفع المشقة الشديدة بتشريع الرخص والتخفيفات، ورعاية محاسن العادات، والأخذ بمكارم الشمائل ومحمود الصفات، ورعاية أحسن
(١) الاجتهاد في النوازل، د. محمد حسين الجيزاني، بحث في مجلة العدل، عدد رقم ١٩، رجب (١٤٢٤ هـ)، (ص ٣٠ - ٣١).