للاجتهاد يكون في ضوء العناصر الثلاثة التي تحكم الفتوى وهي: واقع الأقلية، والأدلة الإجمالية، والأدلة التفصيلية.
من كل ذلك تنشأ الفتوى في جدليَّةٍ وتداخل وتكامل وتفاعل ينتج منه توازن بين الدليل والواقع يضبط به الفقيه طبيعة الفتوى ويرى به الحكم من خلال مرتبة الحاجة، ومرتبة الدليل، ومرتبة الحكم، وكذلك من خلال التعامل بين الكلي والجزئي، وهو تعامل دقيق لا يجوز فيه إهمال أي منهما، بل يعطى كل منهما قدر ما يستحق من الحكم؛ ولهذا أصَّل المالكية لما سموه بالقاعدة البينية، وهي إعطاء قضية واحدة ذات وجهين حكمين مختلفين باعتبار وجود دليلين.
وسترى هذه الأنواع من الاجتهاد من خلال مطالعة مشهد أوضاع الأقليات فيما يتعلق بأنكحتهم ومعاملاتهم المالية وعوائدهم في الأكل واللباس، وفي التعامل مع الناس، في تهاني الأفراح والتعازي في الأحزان والأتراح، في الانخراط في الأحزاب والترشح والانتخاب. . . إلى آخر القائمة.
فالأقليات تواجه تحديات عنيدة على مستوى الفرد الذي يعيش وسط بيئة لها فلسفتها الماديَّة التي لا مجال فيها للوازع الديني، وعلى مستوى الأسرة التي تحاول التماسك في خضمِّ مجتمع تفككت فيه الروابط الأسريَّة، واستحالت فيه العلاقة الزوجية بين الزوجين، والأبوية بين الأبناء والأبوين، إلى علاقة غير قائمة على أسس من القوامة الإيجابية.
أما على مستوى المجتمع المسلم الصغير الذي يساكن هذه المجتمعات، فهو مبعثر لا ينتظمه ناظم، ولا يجمع شتاته جامع، فالتحدِّيات تطاول العقيدة التي نعني بها: أن يكون المرء مسلمًا مؤمنًا بالله وملائكته وكتبه ورسله، وليس بالضرورة أشعريًّا ولا سلفيًّا ولا معتزليًّا وغير ذلك من التفسيرات التي تشوِّش على العامِّي.
ولعل العقيدة التي كتبها محمد بن أبي زيد القيرواني في صدر "الرسالة" والتي ترجع إلى نصوص الكتاب والسنة لا يختلف عليها طوائف أهل السنة، هي أفضل شيء يتعلمه المسلمون في المهاجر؛ لبساطتها وسلامتها من الجدل والتشويش.