للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في كشف القطعية، لا الاجتهاد في القطعية ذاتها (١).

٢ - من جهة رعاية الواقع:

فعمل الفقيه والمجتهد في استنباط الأحكام إنما هو عمل متجرد عن الوقائع والنظر فيها، أما المفتي فيجب عليه أن يراعي حين إصداره للفتوى تلك الخصوصية المسئول عنها، والقرائن المحيطة بها، كما ينظر في حال المستفتي وظروفه (٢).

والفتوى الصحيحة تتطلب -مع توافر شروط الاجتهاد في المجتهد- شروطًا أخرى، وهي: معرفة واقعة الاستفتاء، ودراسة نفسية المستفتي، والجماعة التي يعيش فيها، وظروف البيئة أو البلد التي حدثت فيها النازلة أو الواقعة أو العمل، ليعرف مدى أثر الفتوى سلبًا وإيجابًا (٣).

ولا بد من أن يتصف المفتي بما له تعلق بالممارسة العملية وقبول الناس لفتواه، وهي: العقل، والبلوغ، والحرية بالاتفاق، والحياة، والأعلمية، والعدالة، على اختلاف فيها.

والعدالة شرعًا: يراد بها أهلية قبول الشهادة والرواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وعرفها الغزالي بقوله: "العدالة عبارة عن استقامة السيرة والدين، حاصلها إلى هيئة راسخة في النفس، تحمل صاحبها على ملازمة التقوى والمروءة جميعًا، حتى تحصل ثقة النفوس بصدقه (٤)، وذلك إنما يتحقق باجتناب الكبائر، وبعض الصغائر، وبعض المباحات المشبوهة.

فلا يُستفتى مجهول العدالة حتى تعلم عدالته بقول عدل أو عدلين أو بالاستفاضة والشهرة؛ لأن العدل يكون غالبًا موفقًا إلى اختيار الصواب، وليطمئن الناس إلى كلامه،


(١) معالم وضوابط الاجتهاد عند شيخ الإسلام ابن تيمية، د. علاء الدين رحال، (ص ٥٨ - ٥٩).
(٢) منهج الإفتاء عند الإمام ابن قيم الجوزية دراسة وموازنة، د. أسامة عمر سليمان الأشقر، دار النفائس، الأردن، ط ١، ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٤ م، (ص ٦٨)، وتاريخ الفتوى في الإسلام وأحكامها الشرعية، للينة الحمصي، دار الرشيد، دمشق، ط ١، ١٩٩٦ م، (ص ٥٥ - ٥٨).
(٣) أصول الفقه، لأبي زهرة، (ص ٤٠١).
(٤) المستصفى، للغزالي، (ص ١٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>