للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

اجتهاد شرعي، وهو أيضًا اتباع للهوى، وذلك كله فساد" (١).

وقد يرتقي حكم الجواز هنا إلى الوجوب في حق المجتهدين في حالة حاجة الناس الشديدة لمعرفة حكم تلك النازلة مع ضيق وقت النظر والاجتهاد، فحينئذ يتعين على القادر من أهل الاجتهاد التصدي لهذه النازلة وأداء هذه المهمة (٢).

تطبيقات القاعدة في تأصيل فقه الأقليات:

وهذه القاعدة بمنطوقها تقيد الناظر في مسائل ونوازل الأقليات المسلمة بشروط الاجتهاد المعتبرة في شخص المجتهد، وهي تؤكد على هذا المعنى من جهة أن كثيرًا من تلك النوازل الفقهية إنما هي وقاع مستجدة، ربما لا تسعف الفقيه فيها نصوص حاضرة، فهي إلى عمل المجتهد المطلق أقرب منها إلى عمل المجتهد المقيد، وهي إلى ما يسمى "بالاجتهاد الإنشائي" أو "الإبداعي" أقرب منها إلى ما يسمى "بالاجتهاد الانتقائي" (٣).

كما تؤكد هذه القاعدة على اتباع المنهج المعتبر في الاجتهاد والاستنباط والذي يقوم على قاعدة النصوص التفصيلية أولًا ثم ينظر في المصالح والمقاصد ثانيًا، وُيعنَى بفقه الواقع وما تتميز به الأقليات المسلمة في بلاد غير المسلمين من خصائص وظروف دقيقة ثالثًا، وما ينبغي أن يحصل مراعاةً لفقه الأولويات وتحقيقًا لقاعدة الموازنات بين المصالح والمفاسد والإيجابيات والسلبيات والمنافع والمضار أخيرًا.

يقول الشاطبي -رحمه الله-: "المنافع والمضار عامتها أن تكون إضافية لا حقيقية، ومعنى كونها إضافية أنها منافع ومضار في حال دون حال، وبالنسبة إلى شخص دون


(١) الموافقات، للشاطبي، (٤/ ١٠٤).
(٢) البحر المحيط، للزركشي، (٦/ ٢٠٦ - ٢٠٧)، شرح الكوكب المنير، لابن النجار، (٤/ ٥٢٦ - ٥٢٧).
(٣) هذه مصطلحات أطلقها فضيلة الدكتور: يوسف القرضاوي، في كتابه الاجتهاد في الشريعة الإسلامية، (ص ١٤١)، ووافقه عليها الدكتور عبد الله بن بيه في كتابه، صناعة الفتوى، (ص ١٧٠)، وغيره من الباحثين.

<<  <  ج: ص:  >  >>