للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

به من قولهم في هذا الاختلاف: إنه اختلاف عصر وزمان لا اختلاف حجة وبرهان -كل ذلك ليؤكد على أهمية هذه القاعدة الأصولية المعتبرة لدى التأصيل والتنظير لفقه نوازل الأقليات المسلمة.

وعليه فإذا كانت العادة والعرف لهما اعتبار في الشرع مع كثرة ما يطرأ عليهما من تغيير وتبديل بحسب الأزمنة والأمكنة وتطور أحوال الناس، فإن على العلماء مراعاة ذلك التغير، وخصوصًا حال الفُتْيَا في النوازل والوقائع المستجدة.

ولنختم بنقول مضيئة للعلامة القرافي المالكي -رحمه الله- حيث قال: "إن إجراء الأحكام التي مدركها العوائد مع تغير تلك العوائد خلاف الإجماع وجهالة في الدين، بل كل ما هو في الشريعة يتبع العوائد يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة المتجددة" (١).

وقال أيضًا: "ينبغي للمفتي إذا ورد عليه مستفتٍ لا يعلم أنه من أهل البلد الذي منه المفتي وموضع الفُتيا ألا يفتيه بما عادته يفتي به حتى يسأله عن بلده، وهل حدث لهم عرف في ذلك البلد في هذا اللفظ اللغوي أم لا؟

وإن كان اللفظ عرفيًّا، فهل عُرْف ذلك البلد موافق لهذا البلد في عرفه أم لا؟

وهذا أمر متعين واجب لا يختلف فيه العلماء، وأن العادتين متى كانتا في بلدين ليستا سواء أن حكمهما ليس سواء" (٢).

وقد قرر -رحمه الله- هذا المعنى في "الفروق" أيضًا، فقال: "وعلى هذا القانون تراعى الفتاوي على طول الأيام، فمهما تجدد في العرف اعتبره، ومهما سقط أسقطه، ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك. . . والجمود على المنقولات أبدًا ضلال في الدين، وجهل


(١) الإحكام في تمييز الفتاوي عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام، لشهاب الدين أبي العباس أحمد بن إدريس القرافي، تحقيق: عبد الفتاح أبي غدة، دار البشائر الإسلامية، بيروت، ط ٢، ١٤١٦ هـ - ١٩٩٥ م، (ص ٢١٨).
(٢) المرجع السابق، (ص ٢٣٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>