للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأقلية المبعثرة المنقسمة على نفسها، المختلفة فيما بينها، باختلاف عروقها واتجاهاتها الدينية والفكرية، غير الأقلية المتماسكة المنظمة، التي أمست لها قياداتها ومؤسساتها الدينية والاجتماعية والثقافية والسياسية.

ويلزم الفقيه الذي يعالج الواقع في ضوء الشريعة أن يراعي هذا الواقع المتغير، فإن لكل واقع حكمه (١).

فلا بد في فقه الأقليات ولدى دراسة نوازلها من عملية تأهيل بفقه النص وتدريب على فقه الواقع لتحصل المزاوجة المنتجة، ولتخرج الفتاوي التي تعالج آلام الواقع الحقيقية، ولا تنقل همومًا بعيدة زمانًا أو مكانًا إلى مواقع مثقلة بإشكالات أخرى.

"وبحق يجب أن نأخذ بنصيحة د. المقري الإدريسي المغربي: لا يجوز نقل الفتوى في الفروع إلا بعد إعادة الاجتهاد فيها إذا عليها خمسون عامًا، أو تغير المكان ألف ميل، وهي إشارة جلية إلى أن كل عرف له أحكامه في الفروع، لا الثوابت والأصول، والقضية قطعية لا تحتاج إلى مزيد أدلة لكنها تحتاج إلى جهد جهيد لتحقيق مناطها في واقع المجالس الفقهية وتدريب الأئمة والقيادات الإسلامية حتى تصدر الفتوى من امتزاج فقه النصوص ومقاصدها الشرعية مع واقع المشكلات الحقيقية" (٢).

وبالجملة فإن اختلاف الدار من دار الإسلام إلى غيرها أعمق أثرًا وأبعد مدى من التغير من صحراء إلى مدينة، ومن بدو إلى حاضرة، فإذا كان الفقهاء قد درجوا على رعاية التغير في الأحكام في مثل هذا، فلا شك أن رعاية هذا أولى في غير دار الإسلام.

وما أصَّله فقهاؤنا من تغير واختلاف في الأحكام لتغير معطيات الواقع، وما عبروا


(١) المرجع السابق، (ص ٤٦).
(٢) الضوابط المنهجية لفقه الأقليات المسلمة، د. صلاح سلطان، (ص ٢٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>