للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقد قيل: كم ترك الأول للآخر!

وأخيرًا فإن الاجتهاد يتجزأ، فلا مانع أن يقع اجتهاد في باب دون باب، وأن يتخصص على هذا النحو في الأقليات ومسائلهم فقهاء، وأن يُعنى بتدبير شأنهم في الفُتْيَا والنوازل خاصة علماء فضلاء، فيفيدوا من تراث الأئمة الفقهاء ويزيدوا تفريعًا وتخريجًا تارة، وإنشاءً وابتداءً تارة؛ بل وتارات!

كما يتجه الاجتهاد المعاصر في هذا الشأن أيضًا إلى تقديم البحوث والدراسات المتخصصة والمتعمقة، التي تجمع بين رعاية الكليات والجزئيات في سياق واحد، فلا بد من اعتبار خصوص الجزيئات بنصوصها التفصيلية مع اعتبار كلياتها، وبالعكس، وهو منتهى نظر المجتهدين بإطلاق، وإليه ينتهي طلقهم في مرامي الاجتهاد (١).

ومراعاة النصوص التفصيلية في خصوص المسائل الجزئية مع اعتبار المقاصد التشريعية هو ما يحقق تمام الانسجام بين الأحكام في وحدة متكاملة مترابطة الأجزاء، متصلة الحلقات، في توازن حكيم، لا يميل جهة المقاصد والكليات، ويطرح النصوص الجزئية ويهدر الاحتكام إلى الآية والحديث، ولا يتخذ من نص جزئي قاعدة مستقلة ولو عارضت كلية من كليات الشريعة تضافر على إقامتها ما لا يحصى عدًّا من الأدلة الجزئية.

وتفريعًا على ما تقرر من أنه لا مساغ للاجتهاد في موارد النصوص القاطعة، فلا وجه للقول بجواز نكاح الكتابي للمسلمة في بلاد غير المسلمين، أو التسوية بين الذكر والأنثى في الميراث ببلاد الأقليات، أو أن تستباح المحرمات وترتكب المنهيات خارج


= (٧/ ٣٧، ٣٨) -واللفظ له-، من حديث إبراهيم بن عبد الرحمن العذري (وقد اختلف في صحبته)، ومن حديثه عن الثقة من أشياخه. وروى من أحاديث: أنس بن مالك، وابن عمر، وأسامة بن زيد، وأبي أمامة، وعبد الله بن عمرو وأبي هريرة معًا -رضي الله عنهم-. وصححه الإمام أحمد -رحمه الله-؛ كما في "تاريخ دمشق" (٧/ ٣٩).
(١) الموافقات، للشاطبي، (٣/ ١٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>