للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأوطار، وكتاب إرشاد الفحول، على أنه قد ارتقى إلى مقام النظر في الأدلة، والاستنباط منها، وأنه لم يَقُل في مسألة من الفقه إلا بما أداه إليه الدليل، وأن له في الأدلة ومناهجها أنظارًا تساوي الأنظار الاجتهادية الأصلية التي بنيت عليها كتب أصول الفقه" (١).

وعليه فإن باب الاجتهاد مفتوح لكل من كان له متأهلاً، وهم بحمد الله موجودون في كل عصر؛ إذ لا يخلو عصر من مجتهد قائم لله بالحجة، ولا يزال الله تعالى -بكرمه ومنِّه- يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته (٢)، ويأبى الله تعالى إلا أن يتم نوره، وتجديدُ الله تعالى دين هذه الأمة متحقق ببعث المجددين على رأس كل مائة سنة (٣).

وإذا كانت هممٌ في هذا الزمان قد تقاصرت، فإن سبلًا لتحصيل العلم قد تيسرت، وإذا كان الحصول على نسخة من كتاب في الزمان الأول ربما تعذَّر أو تعسَّر؛ فإن كنوز السنة وذخائر الفقه والأصول في هذا الزمان قد توفرت، ولا يخفى على مُطَّلع أن زمان الحواسيب الآلية اليوم مَكَّنَ -بفضل الله- من الاستفادة من تراث العلماء، وذخائر التراث بشكل لا مثيل له، ولم يخطر لأحدٍ على بالٍ، فصار جواز الاجتهاد شرعًا متحققًا وواقعًا ممكنًا، فلم يبق إلا أن يشمر لهذا الفضل أهله، وأن يتصدى لهذا الخير طلابه، وفي الحديث: "يحمل -وفي رواية: يرث- هذا العلم من كل خلف عدوله. . . " (٤).


(١) الاجتهاد، بحث للشيخ الفاضل ابن عاشور، مطبوع في كتاب المؤتمر الأول لمجمع البحوث الإسلامي بالقاهرة، (ص ٦٢).
(٢) أخرج ابن ماجه، المقدمة، باب: اتباع سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، من حديث أبي عنبة الخولاني -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "لا يزال الله يغرس في هذا الدين غرسًا يستعملهم في طاعته"، وصححه ابن حبان (٢/ ٣٢).
(٣) أخرج أبو داود، كتاب الملاحم، باب: ما يذكر في قرن المائة، (٤٢٩١)، من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها". وصححه الحاكم (٤/ ٥٢٢).
(٤) أخرجه: البيهقي في "السنن الكبرى"، كتاب الشهادات، باب: الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث فيقول: كفوا عن حديثه. . .، (١٠/ ٢٠٩) -والرواية الثانية له-، وابن عساكر في "تاريخ دمشق" =

<<  <  ج: ص:  >  >>