للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

من أخلد إلى الأرض وجهل أن الاجتهاد في كل عصر فرض".

وعلى منواله نسج الشيخ المراغي (١)، وأكد عليه د. محمد سلام مدكور (٢) وجمع كبير من العلماء المعاصرين.

وتجدر ملاحظة مهمة وهي أن الذين قالوا بجواز خلو العصر عن مجتهد لم يكتفوا به في عصرهم، وإنما تعدَّوه إلى كل عصر بعد عصرهم، ثم زادوا فقالوا بوجوب تقليد المذاهب المتبوعة، وبانحصار الحق فيها وحدها؛ لأنها مضبوطة، فأفضى هذا مع بعض المتعصبة إلى أن صار التقليد واجبًا وليس جائزًا، والاجتهاد ممنوعًا أو مستنكرًا.

وإذا كان السيوطي قد أطلق دعوى الاجتهاد المطلق لنفسه، وعدَّ نفسه مجدد القرن التاسع الهجري فإن طائفة من العلماء في قرنه وما جاء بعده من قرون قد برزوا وفاقوا، وتفوقوا وألفوا وصنفوا، وادعي لهم الاجتهاد، كان لم يدعوه لأنفسهم.

قال الشيخ الفاضل ابن عاشور -رحمه الله-: "ولكن اثنين ارتفعا ارتفاعًا فائقًا إلى مقام الاجتهاد: أولهما من الهند وهو ولي الله الدهلوي (ت: ١١٧٦ هـ)، وثانيهما من اليمن وهو الإمام محمد بن علي الشوكاني (ت: ١٢٥٠ هـ)، فهذان هما اللذان استقلَّا بالنظر في المسائل استقلالًا تامًّا شاملًا، وجدَّدا معاني الأصول، ومعاني الأحكام، لا سيما ثانيهما الذي توفي في أوائل القرن الماضي، فلقد ترك من بين كتبه المهمة شاهدين زكيين في كتاب نيل


(١) محمد بن مصطفى بن محمد بن عبد المنعم المراغي، ممن تولوا مشيخة الجامع الازهر، وولي أعمالًا منها: القضاء الشرعي، فقضاء القضاة في السودان سنة ١٩٠٨ - ١٩١٩ م، وعين شيخًا للأزهر سنة ١٩٢٨ م، من مصنفاته: بحث في ترجمة القرآن الكريم إلى اللغات الأجنبية، وبحوث في التشريع، وغير ذلك، ولد سنة ١٢٩٨ هـ، وتوفي سنة ١٣٦٤ هـ. الأعلام، للزركلي، (٧/ ١٠٣)، معجم المؤلفين، لعمر كحالة، (١٢/ ٣٤).
(٢) الاجتهاد في التشريع الإسلامي، دار النهضة العربية، القاهرة، ط ١، ١٤٠٤ هـ - ١٩٨٤. (ص ٩٢ - ١٠٢)، مناهج الاجتهاد، (ص ٤٢٤)، وكلاهما، للدكتور مدكور.

<<  <  ج: ص:  >  >>