للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن القيم -رحمه الله-: "التوبة هي حقيقة دين الإسلام، والدين كله داخل في مسمى التوبة وبهذا استحق التائب أن يكون حبيب الله؛ فإن الله يحب التوابين يحب المتطهرين، وإنما يحب الله من فعل ما أمر به، وترك ما نهى عنه؛ فإذًا التوبة هي الرجوع مما يكرهه الله ظاهرًا وباطنًا إلى ما يحبه ظاهرًا وباطنًا، ويدخل في مسماها الإسلام والإيمان والإحسان، وتتناول جميع المقامات؛ ولهذا كانت غاية كل مؤمن وبداية الأمر وخاتمته كما تقدم، وهي الغاية التي وُجد لأجلها الخلق والأمر، والتوحيد جزء منها، بل هو جزؤها الأعظم الذي عليه بناؤها، وأكثر الناس لا يعرفون قدر التوبة ولا حقيقتها، فضلًا عن القيام بها علمًا وعملًا وحالًا، ولم يجعل الله تعالى محبته للتوابين إلا وهم خواصُّ الخلق لديه، ولولا أن التوبة اسمٌ جامعٌ لشرائع الإسلام وحقائق الإيمان، لم يكن الرب تعالى يفرح بتوبة عبده ذلك الفرحَ العظيم، فجميع ما يتكلم فيه الناس من المقامات والأحوال هو تفاصيلها وآثارها" (١).

فالتوبة واجبة من جميع الذنوب وجوبًا عينيًّا وعلى الفور، سواء أكانت الذنوب من الصغائر، أم من الكبائر.

قال النووي -رحمه الله-: "واتفقوا على أن التوبة من جميع المعاصي واجبة، وأنها واجبة على الفور، لا يجوز تأخيرها، سواء كانت المعصية صغيرة، أو كبيرة" (٢)، وقال ابن تيمية -رحمه الله-: "فإن التوبة واجبة على كل عبد في كل حال" (٣).

وقد دل على وجوبها قوله تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور: ٣١].


(١) مدارج السالكين، لابن القيم، (١/ ٣٠٦ - ٣٠٧).
(٢) شرح صحيح مسلم، للنووي، (١٧/ ٥٩).
(٣) مجموع الفتاوي، لابن تيمية، (١٠/ ٣٣٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>