للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الخمس فقد جاز ارتكاب المحرم، فإن لم يغلب على الظن، وإنما كان احتمالًا مرجوحاً لم يجز انتهاك المحرم؛ إذ الأحكام لا تناط بالأوهام، ولا تتعلق بالاحتمالات المستبعدة (١).

ويدل على هذا الضابط حديث أبي واقد الليثي -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله إنا بأرض تصيبنا بها مخمصة، فما يحل لنا من الميتة؟ قال: "إذا لم تصطبحوا ولم تغتبقوا ولم تحتفئوا بقلًا فشأنكم بها" (٢).

ويشهد لذلك من القواعد الفقهية: "لا عبرة بالظن البين خطؤه" (٣)، و"الرخص لا تناط بالشك" (٤).

وعليه: فلا بد من كون الضرورة أو الضرر حقيقيًّا حالًّا ومعتبرا، ولا يصلح أن يكون متوهمًا لا واقعًا ولا متوقعًا بظن غالب.

وعلى هذا فإن العمل بالبنوك والمصارف والمؤسسات الاقتصادية الربوية بالبلاد غير المسلمة وفي ديار الأقليات لا يجوز أن يستباح، ولا عبرة بقول من يعتبر هذا من ضرورة العيش، أو الحاجة التي تُنَزَّلُ عند الفقهاء منزلةَ الضرورة، تلك التي تفرض على الشخص قبول هذا العمل كوسيلة للعيش والارتزاق (٥)، فإباحة هذا العمل على أنه ضرورة لا يسلم في بلاد الغرب فضلًا عن بلاد المسلمين.

فليست الضرورة حاصلة مع وجود أعمال أخرى، ومؤسسات لا تتعامل بالربا أصلًا، والصحيح أنه لا يجوز العمل بالبنوك الربوية مطلقًا، سواء أكان يتصل بعقد الربا، أم لا يتصل به؛ لنص الحديث الوارد فيما يتصل بالربا، وأما ما لا يتصل بالربا فيقاس على


(١) إعلام الموقعين (٣/ ٢٧٩)، نظرية الضرورة الشرعية، د. وهبة الزحيلي، (ص ٦٥ - ٦٦).
(٢) سبق تخريجه.
(٣) الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ١٥٧)، والأشباه والنظائر، لابن نجيم، (ص ١٨٨).
(٤) الأشباه والنظائر، لابن السبكي، (١/ ١٣٥)، الأشباه والنظائر، للسيوطي، (ص ١٤١).
(٥) يراجع: فتاوي معاصرة، د. يوسف القرضاوي، (ص ٥٢٩ - ٥٣١).

<<  <  ج: ص:  >  >>